التفاسير

< >
عرض

يسۤ
١
وَٱلْقُرْآنِ ٱلْحَكِيمِ
٢
إِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ
٣
عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
٤
تَنزِيلَ ٱلْعَزِيزِ ٱلرَّحِيمِ
٥
لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ
٦
لَقَدْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ عَلَىٰ أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ
٧
إِنَّا جَعَلْنَا فِيۤ أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِىَ إِلَى ٱلأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ
٨
-يس

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله تعالى (ذكره): { يسۤ * وَٱلْقُرْآنِ ٱلْحَكِيمِ } إلى قوله: { فَهُم مُّقْمَحُونَ }.
قال ابن أبي ليلى: لكل شيء قلب وقلب القرآن يس، من قرأها نهاراً كُفِي همه، ومن قرأها ليلاً كُفِي ذنبه.
وقال شهر بن حوشب: يقرأ أهل الجنة طه ويس فقط.
روي عن عقبة بن عامر أنه كان يحدث: (أن) النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"مَنْ قَرَأَ يَس فَكَأنَّما قَرَأَ القُرْآنَ عَشْرَ مَرَّاتٍ" من رواية ابن وهب.
قرأ عيسى بن عمر: "يَاسِينَ" بفتح النون، جعله مبنياً على الفتح، ويجوز أن يكون فتح لالتقاء الساكنين، وأراد به الوصل واختار الفتح، كما قالوا: كيف وأين.
وأجاز سيبويه أن يكون مفعولاً به على معنى: اقرأ ياسين، أو: اذكر ياسين. لكنه لم ينصرف لأنه اسم للسورة، فهو اسم أعجمي عنده كهابيل.
وذكر الفراء: كسر النون لالتقاء الساكنين كما قالوا: جَيْرٍ لا أَفْعَل.
قال ابن عباس: "يس" قسم أقسم الله به وهو من أسمائه تعالى ذكره.
وعنه أيضاً: "يس" يا إنسان، يريد محمداً صلى الله عليه وسلم.
وروى عكرمة عنه: "يس": يا إنسان، بالحبشية.
وقال مجاهد: "يس" مفتاح كلام افتتح الله جل ذكره به كلامه.
وقال قتادة: (كل هجاء) في القرآن فهو اسم من أسماء القرآن.
وقال الزجاج: جاء في التفسير "يس" معناه: يا إنسان، وجاء (يا) رجل، وجاء: يا محمد.
وقوله: { وَٱلْقُرْآنِ ٱلْحَكِيمِ } قسم، والحكيم: المحكم آياته.
{ إِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } جواب القسم، (أي) لمن المرسلين بوحي الله إلى عباده.
{ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } أي: على طريق لا اعوجاج فيه، وهو الإسلام، قاله قتادة.
وقيل: على طريق الأنبياء قبلك.
والوقف على { يسۤ } جائز إذا جعلته اسماً للسورة، أو تنبيهاً.
ولا يحسن الوقف على { ٱلْمُرْسَلِينَ } لأن ما بعده متعلق به.
و (قد) أجازه أبو حاتم. وهو غلط.
ثم قال (تعالى): { تَنزِيلَ ٱلْعَزِيزِ ٱلرَّحِيمِ } من رفعه جعله خبراً ثانياً لإنَّ. ويجوز رفعه على إضمار مبتدأ، أي: هذا القرآن تنزيل المنيع بسلطانه وقدرته، الشديد في انتقامه ممن كفر به الرحيم بخلقه.
ومن نصب "تنزيل" فعلى المصدر، أي: نزله تنزيلاً.
ولا يحسن الوقف على "الرحيم"، لأن اللام بعده متعلقة بما قبله، أي نزله تنزيلاً لتنذر.
ويجوز أن يتعلق بالمرسلين، أي: إنك لمن المرسلين لتنذر.
(والمعنى لتنذر) يا محمد قوماً لم يُنْذَر آباؤُهم من قبلهم، قاله قتادة فما جحد.
وقال عكرمة: قد أُنْذِرَ آباؤهم. فتكون "ما" والفعل مصدراً [أي إنذاراً مثل إنذار آبائهم. ويجوز أن تكون "ما" بمعنى الذي على هذا القول]، أي لتنذر قوماً الذي أُنْذِرَ آباؤهم، أي: الذي أُنْذِرُوا.
{ فَهُمْ غَافِلُونَ } أي: غافلون عن دين الله وما الله صانع بهم إن ماتوا على كفرهم به.
وهذا يدل على أن (ما) نافية، لأنهم لو كان آباؤهم أنذِروا لم يكونوا غافلين. ويدل على ذلك أيضاً قوله (تعالى):
{ وَمَآ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِّن نَّذِيرٍ } [سبأ: 44].
ثم قال: { لَقَدْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ عَلَىٰ أَكْثَرِهِمْ } أي: وجب عليهم في أم الكتاب أنهم لا يؤمنون.
وقيل: معناه: وجب (عليهم العذاب)، كما قال:
{ وَلَـٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } [الزمر: 71].
وهذا إثبات للقدر، وأن الأمر كله قد قدره الله وفرغ منه، فحق وقوعه على ما قدره وعلمه.
وكذلك:
{ وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً } [يس: 9] الآية. كله يدل على أن القدر قد سبق في علم الله، يضل من يشاء فَيَخْذِلُهُ، ويهدي من يشاء فيوفقه.
ثم قال تعالى: { إِنَّا جَعَلْنَا فِيۤ أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِىَ إِلَى ٱلأَذْقَانِ } قال الضحاك: معناه: منعناهم من النفقة في سبيل الله (كما) قال:
{ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ } [الإسراء: 29].
وقيل: ذلك يوم القيامة إذا دخلوا النار.
فجعل (بمعنى يجعل).
قال الطبري: التقدير: إنا جعلنا أيمان هؤلاء الكفار مغلولة إلى أعناقهم بالأغلال فلا تنبسط لشيء (من) الخير.
وفي قراءة ابن / عباس وابن مسعود: ((إنَّا جَعَلْنَا) فِي أَيْمَانِهِمْ أَغْلالاً) وقرأ بعضهم: "في أَيْدِيهِمْ".
والكناية في (فهي) ترجع إلى الإيمان، (لأن) الكلام دل على الأيمان، لأن الغل لا يكون في العنق دون اليد ولا في اليد دون (العنق).
فالمعنى: فالأيدي إلى الأذقان. والذَّقْنُ مُجْتَمَعُ اللِّحْيَيْنِ. ثم قال: { فَهُم مُّقْمَحُونَ }.
قال مجاهد: رافعوا رؤوسهم [و] أيديهم على أفواههم.
وقال قتادة: { مُّقْمَحُونَ } مغللون عن كل خير.
(و) قال أبو عبيدة: (هو الذي) يحدث وهو رفع رأسه.
قال الفراء: هو الرافع رأسه الغاض بصره.
وقيل: المقمح: الرافع رأسه لمكروه نزل به.
وأراهم علي بن أبي طالب الإقماح فجعل يديه تحت لحييه وألصقهما ورفع رأسه.
(وحكى) الأصمعي: أكْمَحْتَ الدابة إذا أَخَذْتَ لجامها لترفع رأسها / والكاف بدل من القاف وقالوا: (الكانونين) شَهْرَا قِمَاحٍ لرفع الإبل فيهما رؤوسها عند الماء لبرده.