التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا ذُكِّرُواْ لاَ يَذْكُرُونَ
١٣
وَإِذَا رَأَوْاْ آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ
١٤
وَقَالُوۤاْ إِن هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ
١٥
أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ
١٦
أَوَ آبَآؤُنَا ٱلأَوَّلُونَ
١٧
قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ
١٨
فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ
١٩
وَقَالُواْ يٰوَيْلَنَا هَـٰذَا يَوْمُ ٱلدِّينِ
٢٠
هَـٰذَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ
٢١
ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ
٢٢
مِن دُونِ ٱللَّهِ فَٱهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْجَحِيمِ
٢٣
وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ
٢٤
مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ
٢٥
بَلْ هُمُ ٱلْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ
٢٦
وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ
٢٧
قَالُوۤاْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ ٱلْيَمِينِ
٢٨
قَالُواْ بَلْ لَّمْ تَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ
٢٩
وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ بَلْ كُنتُمْ قَوْماً طَاغِينَ
٣٠
فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَآ إِنَّا لَذَآئِقُونَ
٣١
فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ
٣٢
فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي ٱلْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ
٣٣
إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِٱلْمُجْرِمِينَ
٣٤
إِنَّهُمْ كَانُوۤاْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ
٣٥
وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوۤاْ آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ
٣٦
بَلْ جَآءَ بِٱلْحَقِّ وَصَدَّقَ ٱلْمُرْسَلِينَ
٣٧
إِنَّكُمْ لَذَآئِقُو ٱلْعَذَابِ ٱلأَلِيمِ
٣٨
وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
٣٩
إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ
٤٠
أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ
٤١
فَوَاكِهُ وَهُم مُّكْرَمُونَ
٤٢
فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ
٤٣
عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ
٤٤
-الصافات

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله (تعالى ذكره): { وَإِذَا ذُكِّرُواْ لاَ يَذْكُرُونَ * وَإِذَا رَأَوْاْ آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ } إلى قوله { عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ }.
أي: وإذا ذُكِّرَ هؤلاء / الكفار بالله وأياته وخُوِّفوا عذابه، لا يذكرون ولا يخافون، وإذا رأوا آية من آيات القرآن يهزؤون.
ثم قال: { وَقَالُوۤاْ إِن هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } أي: وقال المشركون ما هذا الذي جئتنا به إلا سحر مبين لمن تأمله ورآه أنه سحر.
ثم قال: { أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ } أي: قالوا: أَنُبْعَث إذا كنا تراباً، وعظاماً في التراب.
{ أَوَ آبَآؤُنَا ٱلأَوَّلُونَ } أي: أَوَ يبعث آباؤنا الماضون، أَنْكَروا البعث فقال (الله) جل ذكره لنبيه.
{ قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ } أي: قل يا محمد لهم: نعم تبعثون من قبوركم وأنتم صاغرون.
ثم قال (تعالى): { فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ } أي: صيحة واحدة، وذلك هو النفخ في الصور.
{ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ } أي: شاخصة أبصارهم / ينظرون إلى ما كانوا يوعدونه من قيام الساعة.
وقيل: "ينظرون" معناه: ينظر بعضهم بعضاً.
وقيل: معناه ينتظرون ما يفعل بهم.
ثم قال: { وَقَالُواْ يٰوَيْلَنَا هَـٰذَا يَوْمُ ٱلدِّينِ } أي: وقال هؤلاء المكذبون بالبعث لما عاينوا ما كانوا يوعدون: يا ويلنا هذا يوم الجزاء والحساب - وقد تقدم ذكر معنى الويل -، فقالت لهم الملائكة: { هَـٰذَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } أي: يوم القضاء بين الخلق. والوقف على: "الدين" حسن لأن ما بعده من قول الملائكة لهم.
وأجاز أبو حاتم أن نقف على "يا ويلنا"، على أن يكون "هذا يوم الدين" وما بعده قول الملائكة لهم.
ثم قال: { ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ } أي: فيقال: اجمعوا الذين ظلموا في الدنيا وأشياعهم على الكفر بالله.
{ وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ } من دون الله من الأصنام والأوثان.
قال ابن عباس: "وأزواجهم" نظراؤهم وأتباعهم في الظلم.
وقال قتادة وأبو العالية: ("وأزواجهم") أشياعهم، الكفار مع الكفار.
وقال ابن زيد: "وأزواجهم" في الأعمال.
وقال مجاهد: "وأزواجهم" أمثالهم.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: الزاني مع الزاني، وشرب الخمر مع شارب الخمر، وصاحب السرقة مع صاحب السرقة.
وقال أهل اللغة: أزواجهم قرناؤهم، (و) منه زوجت الرجل، (أي) قرنته بامرأة.
ثم قال (تعالى): { فَٱهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْجَحِيمِ } أي: فأرشدوهم ودلوهم إلى طريق جهنم. والجحيم: الباب الرابع من أبواب النار.
ثم قال (تعالى): { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ } أي: واحبسوهم أيها الملائكة إنهم مسؤولون.
روي عن ابن مسعود أنه قال: يقال لهم: هل يعجبكم ورود الماء؟ فيقولون: نعم، فيريهم جهنم وهي كهيئة السراب.
وقيل: المعنى أنهم مسؤولون عما كانوا يعبدون من دون الله.
ثم قال: { مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ } أي: لا ينصر بعضكم بعضاً كما كنتم تعملون في الدنيا.
{ بَلْ هُمُ ٱلْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ } أي: مستسلمون لأمر الله وقضائه، فهم موقنون بعذابه.
ثم قال: { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ }.
قال قتادة: أقبل الإنس على قرنائهم من الجن يتساءلون، قال الإنس للجن: { إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ ٱلْيَمِينِ } أي: من قبل الدين (والحق) فتخدعوننا بأقوى الوجوه.
واليمين: القوة والقدرة في كلام العرب.
وقيل: معنى { (عَنِ) ٱلْيَمِينِ } من جهة أيماننا لأن إبليس اللعين قال:
{ ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ } [الأعراف: 17]. فمن أتاه الشيطان (من) عن يمينه أتاه من قبل الذين فيلبس عليه الحق، ومن أتاه (من) عن شماله أتاه من جهة الشهوات، ومن أتاه من بين يديه أتاه من جهة التكذيب بالجزاء والبعث، ومن أتاه من خلفه أتاه من جهة الفقر على نفسه وعلى من يخلفه بعده. وعن اليمين: من قبل الدين أيضاً.
(وهو أيضاً) قول مجاهد والسدي وابن زيد.
وقال قتادة أيضاً: "عن اليمين": من قبل الخير فتنهوننا عنه.
وقال السدي: "عن اليمين": من قبل الدين، به يزينون لنا بالباطل ويصدوننا عن الحق. وليس هذا بمناف لقوله:
{ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } [المؤمنون: 101]، لأن معنى هذا: لا يتساءلون بالأنساب والأرحام كما كانوا في الدنيا فيقول بعضهم لبعض: أسألك بالله والرحم.
وقيل: معنى قوله: { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } عنى به المشركين، يقول بعضهم لبعض: كنتم تأتوننا عن اليمين، أي: من الجهة التي نحبها ونتفاءل بها.
والعرب تتفاءل / بما جاء عن اليمين وتسميه السانح.
وقيل: معناه: تأتوننا إتيان من إذا حلف لنا صدقناه. فأجابوهم فَقَالُوا (لهم) { بَلْ لَّمْ تَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } أي: مقرين بتوحيد الله.
{ وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ } أي: من قدرة ولا حجة فنصدكم بها عن الحق والأيمان، { بَلْ كُنتُمْ قَوْماً طَاغِينَ } (أي طاغين) على الله، متعدين إلى ما ليس لكم بحق (من) معصية الله.
قال قتادة: هو من قول الجن للإنس.
ثم قال (تعالى): { فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَآ إِنَّا لَذَآئِقُونَ } أي: فوجب علينا / عذاب ربنا إنا لذائقون نحن وأنتم العذاب، هذا خبر من الله جل ذكره عن قول الجن للإنس.
ثم قال: { فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ } أي قالت الجن للإنس: فأضللناكم عن الحق بالوسوسة والاستدعاء والتزيين، أي كنا ضالين.
قال الله جل (ثناؤه) وذكره: { فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي ٱلْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } أي: كما اشتركوا في الدنيا في الكفر بالله والضلال، كذلك يشتركون في الآخرة والعذاب.
قال ابن زيد: اشترك المشركون والشياطين في عذاب جهنم.
ثم قال (تعالى): { إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِٱلْمُجْرِمِينَ } أي: يقول الله جل ذكره: إنا هكذا نفعل بالذين اكتسبوا الكفر والمعاصي في الدنيا، ثم بَيَّنَ أَنّ مِنْ كُفرهم أنهم كانوا إذا قيل لهم: لا إله إلا الله، يستكبرون، أي: إذا قيل لهم في الدنيا: قولوا لا إله إلا الله، يستكبرون عن قولها، أي: يتعظمون، وحذفت قولوا لدلالة الكلام عليها.
قال السدي: يعني بذلك المشركين خاصة.
قال عمر بن الخطاب: احضروا موتاكم ولقنوهم: لا إله إلا الله، فإنهم يرون ويسمعون.
ثم قال (تعالى): { وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوۤاْ آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ } أي: وكانوا في الدنيا - يعني المشركين - (يقولون): أنترك عبادة الأصنام والأوثان، لما يأمر به شاعر مجنون من أن نقول: لا إله إلا الله، يعنون بذلك محمداً صلى الله عليه وسلم.
قال الله جلَّ ذكره: { بَلْ جَآءَ بِٱلْحَقِّ وَصَدَّقَ ٱلْمُرْسَلِينَ } أي: بل جاء محمد صلى الله عليه وسلم بالحق ولم يأت بشعر، وصَدَّقَ بما جاء به المرسلون، أي: كتبهم، لأن في كتب المرسلين قبله أنه سيبعث بكتاب من عند الله، وفي ما جاء به محمد ذكر المرسلين وتصديقهم بما أتوا به من الكتب.
ثم قال (تعالى): { إِنَّكُمْ لَذَآئِقُو ٱلْعَذَابِ ٱلأَلِيمِ } أي: إنكم أيها القائلون لمحمد صلى الله عليه وسلم: (شاعر مجنون، والمتعظمون عن قول: لا إله إلا الله)، لذائقوا العذاب الموجع في الآخرة.
{ وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } أي: ثواب عملكم في الدنيا.
ثم قال: { إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } أي: إلا عباد الله الذين أخلصهم يوم خلقهم لرحمته، فإنهم لا يذوقون العذاب الأليم.
ومن قرأ بكسر اللام فمعناه: إلا عباد الله الذين أخلصوا له العمل والتوحيد.
ثم قال: { أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ }.
قال قتادة: هو الجنة.
وقيل: هو الفواكه التي خلقها (الله) لهم في الجنة.
ثم قال: { فَوَاكِهُ وَهُم مُّكْرَمُونَ * فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } أي: الرزق المعلوم كونهم ذوي فواكه، وإكرام الله لهم بكرامته في جنات (النعيم).
قال مالك بن دينار: بلغني أن جنات النعيم بين جنان الفردوس وبين جنان عدن، وأن فيها جواري خلقن من وَرْدِ الجنة، وأن سكانها (الذين) إذا هموا بالمعاصي ذكروا عظمة الله فراقبوه، والذين تنثني أصلابهم من خشية الله، والذين يجوعون ويعطشون من مخافة الله، وأنه يصرف العذاب عن الناس بهم.
ثم قال: { عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ } أي: بعضهم يقابل بعضاً، لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض، والسرر جمع سرير.