تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه
قوله: { إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَٰثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَٰناً مَّرِيداً... } الآية.
المعنى: إن الله أخبر عما يعبد الذين ذهب إليهم طعمة، وصار على دينهم وهم كفار قريش.
ومعنى: { إِنَٰثاً } اللات والعزى ومناة ونائلة، فسمى هذا إناثاً لأن المشركين سموها بأسماء الإناث، قاله السدي وابن زيد.
وقال الحسن: الإناث هنا. المرأة حجر أو خشب.
وقال الضحاك: قوله: { إِنَٰثاً } هو أن المشركين كانوا يَدَّعون أن الملائكة بنات الله تعالى الله أن يكون له ولد.
وقيل: إنهم كانوا يقولون لأصنامهم أنثى بني فلان، فأنزل الله ذلك كذلك على نحو تسميتهم لها.
وقال مجاهد: { إِنَٰثاً } أي إلا أوثاناً. وفي مصحف عائشة إلا أوثاناً.
وكان ابن عباس يقرأ [أُثُنا] جمع [وثن وأصل الهمزة على هذا واو مثل إخوة، وحقيقة هذا الجمع أنه جمع وثنا على] وثان كجمل وجمال، ثم جمع وثاناً على وُثُن كمثال ومُثُل ثم أبدل من الواو همزة.
قوله: { وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَٰناً مَّرِيداً } أي ما يدعون إلا شيطاناً متمرداً على الله سبحانه، والمتمرد الخارج عن الخير.
والمريد: العاتي { لَّعَنَهُ ٱللَّهُ } أي قد لعنه الله أي: أخزاه وأبعده من كل خير.
وقال { لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً } أي معلوماً. قال الشيطان إذ لعنه الله: لأتخذن منهم بإغوائي إياهم عن طريق الحق نصيباً مفروضاً، أي: معلوماً، وقال الشيطان أيضاً: { وَلأُضِلَّنَّهُمْ } أي: عن الحق إلى الكفر { وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ } أي ولأزيغنهم بما أجعله في نفوسهم من الأماني عن طاعتك (و) توحيدك إلى طاعتي.
وقيل: المعنى: أمنيهم طول الحياة وتأخير التوبة مع الإصرار على المعاصي.
{ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ ٱلأَنْعَٰمِ } أي: لآمرنهم أن يشرعوا غير ما شرعت لهم فأجعلهم يقطعون [آذان الأنعام، وهي البَحيرة كانوا يقطعون] آذانها لطواغيتهم، وهو دين شرعه لهم إبليس.
والبَحيرة كانت عندهم: الشاة أو الناقة إذا أنتجت خمسة أبطن شقوا آذانها، ولم ينتفعوا بها.
والبتك: القطع.
{ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ ٱللَّهِ } الآية.
(قيل: إخصاء البهائم، قاله عكرمة وسفيان).
وقال ابن عباس: { فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ ٱللَّهِ } دين الله، قاله مجاهد. وروي عن قتادة والحسن والضحاك { خَلْقَ ٱللَّهِ } الفطرة دين الله.
وقيل: { فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ ٱللَّهِ } هو: الوشم.
وقيل: معنى: { فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ ٱللَّهِ } هو أن الله خلق الشمس والقمر، والحجارة للمنفعة [بها] فحولوا ذلك، وعبدوها من دون الله.
وكان الطبري يختار قول من قال: المعنى دين الله، لقول الله تبارك وتعالى: { { فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا } [الروم: 30] وقوله { { لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ [ٱللَّهِ] } [الروم: 30] أي: دينه يدل عليه قوله: { { ذَلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ } [الروم: 30].
قوله: { وَمَن يَتَّخِذِ ٱلشَّيْطَٰنَ وَلِيّاً مِّن دُونِ ٱللَّهِ } أي: يطيعه في معصية الله سبحانه { فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً } أي: هلك هلاكاً ظاهراً.
وقوله: { يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ } أي: يعد أولياءه، ويمنيهم الظفر [على] من حاول خلافهم { وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً } أي: باطلاً لأنه يقول لهم يوم القيامة { إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ .. } [إبراهيم: 22] الآية.
وقيل معنى: { يَعِدُهُمْ } أي: يعدهم الرياسة والجاه والمال.
قوله: { فَأُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً } أي: أولئك الذين اتخذوا الشيطان ولياً { مَأْوَاهُمْ } أي: مصيرهم إليها { جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصاً } أي: لا يجدون عن جهنم إذا صيرهم الله إليها معدلاً يعدلون إليه، ولا محيداً.
يقال: حاص فلان عن الأمر إذا عدل عنه وحاد.
وحكى جاص بالجيم والصد المعجمة بمعنى جاص في الكلام لا في القرآن.