التفاسير

< >
عرض

فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً
٦٥
-النساء

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله: { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ } الآية.
المعنى في قوله: { فَلاَ } أي: ليس الأمر على ما يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك، وما أنزل من قبلك وهم يتحاكمون إلى الطاغوت، ويصدون عنك إذا دعوا إليك، ثم استأنف القسم فقال: { وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ } أي: وربك يا محمد، لا يؤمنون أي: لا يصدقون بالله عز وجل ونبيه صلى الله عليه وسلم { حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ }، أي: يحكمونك حَكَماً بينهم في خصوماتهم. وقرأ أبو السمأل: { شَجَرَ بَيْنَهُمْ } بإسكان الجيم وهو بعيد لخفة الفتحة.
قوله: { ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ } أي: ضيقاً من حكمك أي لا تأثم أنفسهم بإنكارها حكمك، وشكها في طاعتك لأن الحرج الإثم، وكأنه قال: ثم لا تحرج أنفسهم بإنكارها حكمك، قال: معنى ذلك مجاهد والضحاك.
وقيل: الحرج: الشك وكله يرجع إلى الإثم.
{ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } أي: يسلموا لحكمك إقراراً بنبوتك.
ويروى أن هذه الآية نزلت في الزبير بن العوام وخصم له،
"ذكر عن الزبير أنه خاصم رجلاً من الأنصار وهو حاطب بن أبي بلتعة في شريج من الحرة كانا يسقيان به كلاهما النخل، فقال الأنصاري سرح الماء يمر، وكانت أرضه أسفل من أرض الزبير فأبى عليه، فاختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسق يا زبير، ثم أرسل إلى جارك. فغضب الأنصاري فقال: يا رسول الله إن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: يا زبير اسق، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجَدْر، ثم أرسل الماء إلى جارك، فاستوعب رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير حقه في صريح الحكم وكان أولاً أراد النبي صلى الله عليه وسلم الرفوت والسعة لهما فنزلت الآية" .
وقيل: نزلت في اليهودي والمنافق اللذين تقدم ذكرهما قاله مجاهد وغيره، وهو أولى بسياق الكلام.
قال الطبري: ولا ينكر أن تكون الآية نزلت في الجميع فيكون حكم المتحاكمين إلى الطاغوت، وحكم الزبير وخصمه.
ومن قال إنها في الزبير وخصمه ما زالت أحسن الوقف على ما [قبل الآية، ومن قال: إنها في اليهود والمنافق ما زالت، فليس الوقوف على ما] قبلها بتمام، لأن القصة واحدة.
وروي
"أنها نزلت في رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقضى بينهما، فقال الذي قضى عليه ردنا إلى عمر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: انطلقا إلى عمر، فلما أتيا عمر قال الذي له الحق: يا ابن الخطاب قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا، فقال: ردنا إلى عمر فردنا إليك، قال: كذلك؟ قال: نعم! قال عمر: مكانكما حتى أخرج فأقضي بينكما، فخرج إليهما مشتملاً على سيفه، فضرب الذي قال: ردنا إلى عمر فقتله، وأدبر الآخر فاراً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما كنت أظن أن يجترئ عمر على قتل مؤمن! فأنزل الله عز وجل: { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ } الآية" .