التفاسير

< >
عرض

وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً
٩
-النساء

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله: { وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً } الآية.
لم يأت ليخش مفعول لذكره بعد ذلك الخوف، وإتيانه بمفعوله فسد ذلك مسد مفعول يخشى (لأن الخوف والخشية سواء، ومثلهما معنى الاتقاء فسد مفعول يخشى) مفعول الخوف ومفعول الاتقاء، كما قال:
{ { إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا } [النحل: 110] فسَدَّ خبر إن الثانية مسدَّ خبر الأولى في قوله { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ } [النحل: 110].
وقيل: مفعول يخشى محذوف كأنه قال: وليخشى الله الذين.
والمعنى: وليخف الذين يحضرون وصية الموصي أن يأمروا الموصي أن يفرق ماله على غير ولده، ولكن ليأمروه أن يبقى ماله لولده، كما لو أنه كان هو الموصي يسره أن يحثه من يحضره على توفير ماله لولده لضعفهم وعجزهم قال ذلك ابن عباس.
وقال قتادة: معناه: من حضر ميتاً فلينهه عن الحيف وليأمره بإحسان، وليخش على عيال المتوفى ما كان يخشى على عياله لو حضره الموت، وهو مثل القول الأول ومثل هذه المعنى قال السدي.
وقال الضحاك قولاً قريباً من الأول: قال هذا عند الموت لا يقول أحدكم لرجل عند وصيته: اعتق وتصدق حتى يفرق ماله، ويدع ورثته عالة لعياله كما كان يحب هو أن يفعل به لو حضرته الوفاة وعنده ذرية ضعفاء.
قوله: { وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً } أي يأمرون الميت في وصيته بما لا ضرر فيه على ورثته كما يحب هو أن يفعل في ورثته بما يأمر به نفسه.
وقال مجاهد: هذا عند تفريق المال وقسمته، يقول الذين يحضرون: زد فلاناً وأعط فلاناً، فأمرهم الله عز وجل أن يقولوا مثلما كان يحبون أن يقال لولده بعدهم. وكل هذه الأقوال لا تمنع الوصية أن يوصي لقرابته بخمس ماله أو بربعه أو بثلثه كذا ذكر أكثرهم.
وقيل: إنهم لا يأمرونه أن يوصي لأحد البتة إذا كان له أولاد ضعفاء يخاف عليهم الضيعة كما كنتم تصنعون لو حضركم الموت أيها الحاضرون وعندكم أولاد ضعفاء تخافون عليهم الضيعة.
وروي أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان من اجتهادهم في الخير والعمل الصالح إذا حضروا مريضاً منهم قالوا له: انظر لنفسك فليس ينفعك ولدك ولا يغنون عنك من الله شيئاً، ويقدم جل ماله ويجحف بولده، وكل هذا قبل الوصية بالثلث، وتحديدها من النبي صلى الله عليه وسلم فكره الله سبحانه ذلك وأمرهم أن يأمروا الذي حضرته الوفاة بما يحبون أن يأمرهم به إذا حضرتهم الوفاة ولهم ذرية ضعفاء. وقد قيل: إن هذا أمر للموصي على الأيتام أن يفعل فيهم ما يحب [أن يفعل] بعده في أولاده.
وروي عن ابن عباس أن الآية نزلت في الوصية لولاة اليتامى ألا يأكلوا أموالهم كما يحبون لو ماتوا وتركوا أولاداً ضعفاء أن يحتاط على أموال أولادهم كما يحتاطون هم على مال يتاماهم، أي: لتفعلوا بهم ما تحبون أن يفعل بولدكم بعدهم.