التفاسير

< >
عرض

يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ
١١
-المائدة

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله: { يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ } الآية.
معنى الآية: أن الله جل ذكره أمر نبيه صلى الله عليه وسلم المؤمنين بالشكر على نعمه (إذ دفع) عنهم كيد اليهود عليهم اللعنة. وكان / سبب نزول هذه الآية أن النبي عليه السلام أمّن رجلين مشركين من بني كلاب وأعطاهما سهمين من سهامه أماناً لهما، فلقيهما عمرو بن أمية الضَّمْري وهو مقبل من بئر معونة فقتلهما ولم يعلم أن معهما أماناً من النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قدم عمرو على النبي عليه السلام قال له: قَتَلْتَهُما (و) معهما أماني؟! قال: لم أعلم، فَوداهُما النبي عليه السلام ومضى إلى بني النضير من اليهود ومعه أبو بكر وعمر وعلي وعثمان رضي الله عنهم، يَسْتعينهم على دية الكلابِيَيْن اللّذَيْن قتلهما عمرو فلما قَرُبَ من مدينتهم، خرجوا إليه فتلقَّوه وقالوا: مرحباً بك يا أبا القاسم، ماذا جِئْتَ له؟، فقال: رجل من أصحابي أصاب رجلين من بني كلاب - معهما أمانٌ منّي - فقتلهما فَلَزِمَني دِيَتُهما، فأريد أن تُعينوني قالوا: نعم والحُبُّ لَك والكَرامةُ يا أبا القاسم، اقْعُد حتى نجمع لك، فقعد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه تحت الحصن، فلما خلا بنو النضير - بعضهم (إلى بعض) - قالوا: لن نجد محمداً أقربَ منه الآن، فَمَن رَجُلٌ يَظهَر على هذا الجدار فَيَطْرح عليه رحىً أو حجراً فيريحنا منه؟، فقال رجل منهم: أنا، وهو عمرو بن جحاش، فأتى جبريل النبي صلى الله عليهما فأعلمه الخبر، فقام وتبعه أصحابه، فأنزل الله جل ذكره { يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } الآية، وفي ذلك نزل
{ { وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ (إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ) } [المائدة: 13]، فعند ذلك بعث (إليْهم النبيُّ) محمد بن مَسْلَمَة الأُوسي، وأمره أن يأمرهم بالرحيل والخروج من جواره، فلما أتاهم محمد بن مسلمة، تلقوه وسلموا عليه، فقال [لهم]: إني أُرسِلْتُ إليكم برسالة، ولَسْتُ أَبَلِّغكُمُوها حتّى أَسْأَلَكُم عن شيء قلتموه لي قبل اليوم، قالوا: (سَلْنا عمّا بدا لَكَ)، فقال لهم محمد بن مسلمة: أليس قد أتَيْتُكم سَنَة كذا وكذا فقلتم لي: يا ابن مَسلمةٍ، إن (شِئت هَدَيْناك وإن شئت غدّيناك)، فقلت: والله ما لي حاجة بهداكم، فقَرَّبْتُم إليّ طعاماً في صَحْفة جَزْع - كأني انظر: إليها -، فلما فَرَغْتُ من [غذائي]، قلتم لي: ما الذي أرغبك عن التوراة؟، فقلت: ما لي بها حَاجة، فقلتم كأنك تريد الحنيفية؟، فقلت: إيهاً والله أريدها، فقلتم لي: أما إنَّ صاحبها قد [رهنك] خروجه، وأشرتم نحو مكةَ وقلتم لي: ذلك الضّحوك القتّال يركب البعير ويَلبَس الشملة و [يجتزئ] بالكسوة، سيفه على عاتقه، (لتكونن - على يديه - في هذه البلاد) ملاحم وملاحم وملاحم، قالوا: قد قلنا لك ذلك، ولكن ليس هو هذا. قال: أشهد (أن لا) إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، هو - والله - هذا، وقد بعَثَني إليكم وقال: قد غدرتم مرةً ومرةً ومرةً، فارْتحِلوا من بَلَدي وارتحلوا من جواري، فقالوا: أخِّرنا عشرة أيام نتجهز ونخرج، ففعل، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرَه، فَصَوَّبَ أمرَه، وأمرَ النّبي صلى الله عليه وسلم بحراسة المدينة، فدبّ إليهم المنافقون وقالوا: لِمَ ترتحلون، وإنّما أنتم أهل الثمار والأموال، وقد نَزَل بكم محمد ولم تَنزِلوا به؟، فبعثوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: اصْنَع ما أنت صانع فلسنا بمُرتَحلين، فكبّر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث تكبيرات ثم قال: خابَتْ يَهودُ، لا تُصَلُّوا الظُّهرَ إلاّ عندهم، فغزاهم النبي صلى الله عليه وسلم فصالحوه / على ما حمل (الحافر والخُفَّ): الجمل بين رجلين، والحافر لرجل واحد، وَارْتَحَلوا.
قال قتادة: هذه الآية نزلت على النبي عليه السلام وهو بنَخْل في الغزوة السابعة، أراد بنو ثعلبة أن يفتكوا بالنبي عليه السلام فأطلعه الله على ذلك.
وقيل: النعمة التي أمر الله بالشكر عليها - هنا - هي أن اليهود كانت همت بقتل النبي صلى الله عليه وسلم في طعام دَعَوْهُ إليه، فأعلم اللهُ نَبيَّه بما همُّوا به، فلم يأتهم.
وقيل: هي ما أطلع الله نبيه من أمر المشركين إذ هموا أن يميلوا على المسلمين - وهم في صلاتهم - ميلة واحدة، وذلك يوم بطن [نخل]، فعلَّم الله نبيَّه صلاة الخوف والحذر منهم، وهي الغزوة السابعة.
وقيل: هي ما فعل الأعرابي، وذلك
"أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مستظلاً تحت شجرة - وأصحابه متفرقون - إذ جاء أعرابي إلى سلاح رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو معلق في شجرة - فأخذ السيف وسله، ثم أقبل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: مَن يمنعك مني؟، قال: الله، قال الأعرابي - مرتين أو ثلاثاً -: من يمنعك مني؟، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: الله، فشام الأعرابي السيف، فدعا النبيّ صلى الله عليه وسلم أصحابه فأخبرهم خبر الأعرابي وهو جالس إلى جنبه لم يعاقبه" ، قال قتادة: كان قوم أرادوا أن يفتكوا برسول الله عليه السلام، فأرسلوا هذا الأعرابي.
وقيل:
"هم قريش بعثت رجلاً ليفتك برسول الله، فأتى وسَلَّ سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: من يمنعك مني يا محمد؟، [قال: الله]، ثم رد السيف في غمده" .