التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ
٥٢
-الأنعام

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله: { وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ (بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ) } الآية.
قوله: { فَتَكُونَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ }: جواب النهي، و { فَتَطْرُدَهُمْ } جواب النفي. والتقدير: { وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ }، فتكون من الظالمين، ما عليك من حسابهم من شيء فتَطرُدهم: آخِرُ الكلامِ لأَوَّلِه، وأوسطُهُ لأِوسَطِهِ.
وهذه الآية نزلت في سبب جماعة صحبوا رسول الله - من ضعفاء المسلمين - فقالت قريش للنبي - وعنده صهيب وعمار بن ياسر وبلال وخباب، ونحوهم من الضعفاء -: يا محمد، رضيت بهؤلاء (من قومك، أهِؤُلاء)
{ { مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَآ } [الأنعام: 53]، أنحن نكون تبعاً لهؤلاء؟، اطْرُدْهم، فلعلك إنْ طَرَدْتَهم أن نتبعك، فنزلت هذه الآية: { وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ } الآية.
وروي عن خباب أنه قال: جاء ناس من المشركين والنبي صلى الله عليه وسلم جالس مع بلال وصهيب وخباب وعمار في أناس من الضعفاء من المؤمنين، فلما رأوهم حوله حقّروهم، فأتوا فقالوا: إنا نحب أن تجعل لنا منك مجلساً تعرف لنا به العرب فضلنا، فإن وفود العرب تأتيك فنستحي أن ترانا العرب مع هؤلاء الأعْبُدِ، فإذا جئناك فَأَقْصِهِم، فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت. قال نعم. فقالوا: فاكتب (لنا عليك) / بذلك كتاباً. قال: فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بالصحيفة ودعا عليّاً ليكتب. قال: ونحن قعود في ناحية إذ نزل جبريل بقوله: { وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ } الآية، ثم قال له:
{ { وَكَذٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ } [الأنعام: 53] الآية، ثم قال (له): { { وَإِذَا جَآءَكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَٰمٌ عَلَيْكُمْ } [الأنعام: 54] الآية. فألقى النبي الصحيفة من يده، ثم دعانا فأتيناه وهو يقول: { { كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ } [الأنعام: 54]، فكنا نقعد معه، فإذا أراد أن يقوم تَرَكَنا، فأنزل الله { { وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } [الكهف: 28] (الآية)، فكان رسول الله يقعد معنا بعد ذلك، فإذا بلغ الساعة التي يقوم فيها، (قمنا) وتركناه حتى يقوم.
وقال الفضيل في هذه الآية: جاء قوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا قد أصبنا من الذنوب، فاسْتَغِفر لنا، فأعرض عنهم، فأنزل الله عز وجل:
{ { وَإِذَا جَآءَكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا } [الأنعام: 54] الآية.
وقيل: إنما أراد المشركون أن يطرد النبي صلى الله عليه وسلم الفقراء، (فيحتجوا عليه إذ لم يتبعه الفقراء، ويقولوا: إن أتباع النبي الفقراء). فعصمه الله مما أرادوا به.
وقال الكلبي: (أبو طالب) عم النبي (هو الذي) قال للنبي: اطْردْ فلاناً وفلاناً. وإنّ ناساً من أصحاب النبي قالوا: يا رسول الله، صدق عمك فاطرد عنا سفلة الموالي. فعاتبهم الله في الآية الأولى، فجاءوا يعتذرون من قولهم "أطردهم"، فأنزل الله
{ { وَإِذَا جَآءَكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَٰمٌ عَلَيْكُمْ } [الأنعام: 54].
ومعنى: { يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ } قال مجاهد: (هي) "الصلاة المفروضة: الصبح والعصر". وقال ابن عباس: هي الصلوات المفروضة الخمس، وقاله الحسن. وكذلك قالوا كلهم في قوله:
{ { وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ } [الكهف: 28].
وقال قتادة والضحاك: هي صلاة الصبح والعصر. وعن ابن عمر قال: يشهدون المكتوبة.
وقيل: معنى الدعاء - هنا -: ذِكرُهم الله غدوةً وعشياً. وقيل: الدعاء هنا: العبادة. وقيل: هو إِقْراء القرآن.
وقال الحسن: يعني الصلاة التي فرضت بمكة: ركعتان غدوة وركعتان عشية، وهذا قبل أن تفرض الصلوات الخمس. وقال عمرو بن شعيب: هما صلاة الصبح وصلاة العصر. وقد قيل: إنهم القُصَاصَ. وأنكر ذلك جماعة من الصحابة والتابعين.
وروي أنهم سألوا النبي أن يؤخر هؤلاء عن الصف الأول.
والتمام هنا: { فَتَكُونَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ }، لأنه جواب النهي، وقد قيل: { فَتَطْرُدَهُمْ } تمام، وليس بجيد.