التفاسير

< >
عرض

وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ
٦١
-الأنعام

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله: { وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ } الآية.
المعنى: وهو الغالب خلقه، العالي عليهم بقدرته، قد قَهَرَهم بالموت، ليس كأصنامهم (المقهورة)، المذللة، المَعْلو عليها، { وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً } هي الملائكة، يتعاقبون بالليل والنهار، يحفظون أعمال العباد ويكتبونها، لا يفرطون في إحصاء ذلك، ويحفظونه مما لم يُقدَّر عليه، فإذا جاء أحدَهم الموت، توفته الرسل التي تقبض الأرواح، وقابض الأرواح هو ملك الموت، / إلا أن الله جعل له أعواناً، فهم يقبضون (الأنفس) بأمر ملك الموت، فلذلك قال: { تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا }، ولم يقل: "رسولنا".
قال ابن عباس: "لملك الموت أعوان (من الملائكة)".
قال قتادة: تلي الملائكة قبض النفس وتدفعها إلى ملك الموت.
وقال الكلبي: ملك الموت يتولى، ثم يدفع النفس إلى ملائكة الرحمة إنْ كان مؤمناً، وإلى ملائكة العذاب إن كان كافراً.
قال مجاهد: جُعلت الأرض لملك الموت (مثل الطست)، يتناول من حيث شاء، وجعلت له أعوان يتولون ذلك، ثم يقبضها هو منهم. قال مجاهد: "ما من أهل بيت شَعَر ولا مَدَر إلا وملك الموت يطوف بهم كل يوم مرَّتين".
وروى (البراء) بن عازب أنه سمع النبي عليه السلام يقول:
"إذا كان العبد عِندَ انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة، نزل إليه (ملائكة من السماء)، بيضُ الوجوه كأنّ وجوهَهم الشمس (حتى يقعدوا) منه مَدَى البصر، ويجيء ملك الموت معهم حتى (يقعد) عند رأسه فيقول: أيتها النفس الطيبة، أُخرُجي إلى مغفرة (من) الله ورضوان، فتخرج تسيل كما (تسيل القطرة) في السقاء، فيأخذها ملك الموت في يده، فإذا وقعت في يده، لم يَدَعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها منه، فيجعلونها في كفن من الجنة وحنوط، ثم يصعدون بها إلى السماء حتى ينتهوا بها إلى السماء السابعة" .
"قال الحسن: (إذا احتضر) المؤمن (احتضره) خمس مائة ملك يقبضون روحه فيعرُجون به".
والأجساد هي التي تموت، فأما الأرواح والأنفس فهي حية عند الله، ودل على ذلك قوله:
{ { فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ } [الواقعة: 93]، فلو كانت النفس تموت لم يكن لها نزل، وقوله: { { قَالَ رَبِّ ٱرْجِعُونِ * لَعَلِّيۤ أَعْمَلُ صَالِحاً } [المؤمنون: 99-100] أي: تقول النفس: أَرْجِعني إلى جَسَدي لعلي أعمل صالحاً، فلو كانت النفس تموت بموت (الجسد)، ما سألت الرَجعَة.
قال عبد الملك: ولا يقول "إن النفس والروح يموتان بموت الجسد" إلا رجل جاهل بأمر الله، أو رجل منكر للبعث، وقد قال تعالى:
{ { ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مَوْتِـهَا وَٱلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِـهَا فَيُمْسِكُ ٱلَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا ٱلْمَوْتَ وَيُرْسِلُ ٱلأُخْرَىٰ } [الزمر: 42]، فلو كانت النفس تموت بموت الجسد ما أمسكها، وليس يُمْسَك إلا حيٌّ.