تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه
قوله: { وَكَتَبْنَا لَهُ فِي ٱلأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ }، إلى قوله: { مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }.
المعنى: وكتبنا لموسى في ألواحه { مِن كُلِّ شَيْءٍ }، من التذكير والتنبيه على نعم الله، (تعالى)، وعظمته وسلطانه ومن المواعظ لقومه ومن الأمر بالعمل بما فيها، { وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ } أي: تبييناً لكل شيء من أمر الله (سبحانه)، في الحلال والحرام.
ومعنى: { مِن كُلِّ شَيْءٍ }، (أي): من كل شيء يحتاج إليه من أمر الدين.
قال ابن عباس: إن موسى (عليه السلام)، لما كَرَبَهُ المَوْتُ، قال: هذا من أجل آدم! أنزلنا ها هنا! قال الله: يا موسى، أبعث إليك آدم فتخاصمه؟ قال: نعم! فلما بعث الله، جل وعز، آدم عليه السلام، سأله موسى، (عليه السلام)، فقال أبونا آدم (عليه السلام)،: يا موسى، سألت الله أن يبعثني إليك! قال موسى: لولا أنت لم تكن ها هنا! قال له آدم (عليه السلام): [أليس] قد أتاك الله من كل شيء موعظة وتفصيلاً لكل شيء أفلست تعلم أن { مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِيۤ أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ } [الحديد: 22]، قال موسى: نعم، فخصمه (آدم (عليه السلام).
قوله: { بِقُوَّةٍ }.
أي: بِجِدَّ.
وقيل: بالطاعة.
فـ: "الهاء" في "خُذْها" و "أَحْسَنها"، تعود على { ٱلأَلْوَاحِ }.
وقيل: على "التوراة".
{ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا }.
أي: بأحسن ما يجدون فيها، وذلك أن يعملوا بما أمرهم ولا يعملوا بما نهاهم / عنه.
فمعنى { بِأَحْسَنِهَا }: ليس أنهم يتركون شيئاً من الحسن، إنما يعملون بالمعروف ولا يعملون بالمنكر.
وقيل المعنى: { بِأَحْسَنِهَا } لهم، وهو العمل بما أمروا به، والانتهاء عما نُهُوْا.
وقيل: ليس أفعل للتفضيل، إنما هو [بمعنى] اسم الفاعل، كما قيل: "الله أَكْبَرُ" بمعنى: كبير. فالمعنى: يأخذوا بالحسن من ناحيتها وجنسها وما يدخل تحتها (به).
وقيل إن المعنى: { وَأْمُرْ قَوْمَكَ } يعملون بأحسن ما هو لهم مطلق مثل: { وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ } [الشورى: 41]. ثم قال: { وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } [الشورى: 43]. فالانتقام جائز، (والعفو جائز)، والعفو أحسن، فكذلك أمروا أن يعملوا بأحسن ما أُبِيحَ لهم فعله.
وقيل المعنى: إن التوراة كلها حسنة لكن فيها: أقاصيص الإحسان، والإساءة والطاعة، والمعصية، والعفو، والنقمة، فأمروا أن يأخذوا بأحسن هذه الأفعال التي نُصَّتْ عليهم. ومنه قوله: { يَسْتَمِعُونَ ٱلْقَوْلَ فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } [الزمر: 18]. فإن قيل: إن فيها حكاية الكفر، والشرك، "وأفعل" يوجب التفضيل، فهل في هذا حسن دون غيره، فذلك جائز كما قال: { وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ } [البقرة: 221].
وقوله: { سَأُوْرِيكُمْ دَارَ ٱلْفَاسِقِينَ }.
(هو) تهديد وتوعد لمن لم يأخذ بأحسنها وخالف ما فيها، والكلام، دَلَّ على ذلك.
و { دَارَ ٱلْفَاسِقِينَ }: النّار. وهو قول مجاهد، والحسن.
وقال قتادة { دَارَ ٱلْفَاسِقِينَ }: منازل الكافرين الذين سكنوا قبلهم من الجبابرة والعمالقة، وهي الشام.
وقيل المعنى: { سَأُوْرِيكُمْ دَارَ [ٱلْفَاسِقِينَ] }، فرعون وقومه، وهي مصر.
قال ابن جبير: رفعت لموسى، (عليه السلام)، (حتى) نظر إليها.
قال قتادة: { دَارَ ٱلْفَاسِقِينَ }، منازلهم التي كانوا يسكنونها تحت يدي فرعون.
وقيل المعنى: { سَأُوْرِيكُمْ } مصير الفاسقين في الآخرة، وما أعد لهم من أليم العذاب.
وقوله: { سَأَصْرِفُ [عَنْ آيَاتِي ٱلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي ٱلأَرْضِ] }، [الآية].
أي: أحرمهم فهم القرآن، أي سأنزع منهم فهم الكتاب.
قاله سفيان بن عُيَيْنَة.
وقال ابن جريج: سأصرفهم عن أن يتفكروا في خلق السماوات والأرض وما بينهما من الآيات، وأن يعتبروا بها.
وقيل معناه: سأمنع قلوبهم من الفكرة في أمري.
وقال أبو إسحاق المعنى: سأجعل جزاءهم، في الدنيا على كفرهم، الإضلال عن هدايتي.
وقال الحسن المعنى: سأصرفهم عنها، حتى لا يؤمنوا بها.
ومعنى { يَتَكَبَّرُونَ }، أي: يحقرون الناس، ويروا أن لهم فضلاً عليهم، ويتكبرون عن الإيمان بالقرآن والنبي، (صلى الله عليه وسلم).
{ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا }.
أي: وإن يروا كل حجة بينة لا يصدقوا بها، ويقولون: هي سِحْرٌ وَكَذِبٌ.
{ وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً }.
أي: وإن يروا طريق الهدى لا يتخذوه طريقاً لأنفسهم.
{ وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً }.
أي: وإن (يروا) طريق الهلاك والعطب يتخذوه لأنفسهم.
ثم قال تعالى: { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } آية.
أي: فعلنا بهم أن صرفناهم عن آياتنا، من أجل أنهم { كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ }، أي: لا يتفكرون فيها، لاهين عنها.
و (الرُّشْدُ) و (الرَّشَدُ): لغتان.
وحُكِيَ عن أبي عمرو [بن العلاء] أنه قال: (الرُّشْدُ): الصلاح، و(الرَّشَد) في الدّينِ.
ثم قال تعالى /: { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَآءِ ٱلآخِرَةِ }، الآية.
المعنى: وكل مكذب بالقرآن، والأدلة على توحيد الله، (عز وجل)، وينكر نبوة محمد، (صلى الله عليه وسلم)، والبعث، { حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ }، أي: بطلت.
(أعمالهم) وذهبت { هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }، أي: إلا ثواب عملهم في الآخرة.