التفاسير

< >
عرض

قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ٱلنَّبِيِّ ٱلأُمِّيِّ ٱلَّذِي يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَٱتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
١٥٨
وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ
١٥٩
وَقَطَّعْنَاهُمُ ٱثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ إِذِ ٱسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ فَٱنبَجَسَتْ مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
١٦٠
-الأعراف

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله: { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً }، إلى قوله: { يَظْلِمُونَ }.
والمعنى: { قُلْ }، يا محمد: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً }، أي: لست كمن قبلي من الأنبياء الذين يبعثون إلى بعض الناس دون بعض.
{ ٱلَّذِي يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ }.
أي: وآياته.
وقيل: { وَكَلِمَاتِهِ }: عيسى ابن مريم، (عليه الصلاة والسلام). قاله مجاهد والسدي.
ثم قال: { وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ }.
أي: يدعون الناس إلى الهداية بالحق.
{ وَبِهِ يَعْدِلُونَ }.
أي: في الحكم.
وقيل: وبه يؤمنون.
و "الأُمَّةُ" هنا: الجماعة.
قال ابن جريج: بلغني أن بني إسرائيل لما قتلوا أنبياءهم، وكفروا، وكانوا اثني عشر سِبْطاً، تبرأ سبط منهم مما عملوا، واعتذروا، وسألوا الله (عز وجل)، أن يُفَرِّق بينهم وبينهم، ففتح الله لهم نفقاً في الأرض، فساروا فيه حتى خرجوا من وراء الصين، فهم هنالك حُنفاء مسلمين، يستقبلون قبلتنا. قال ابن جريج: قال ابن عباس: فذلك قوله:
{ وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱسْكُنُواْ ٱلأَرْضَ فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً } [الإسراء: 104].
و { وَعْدُ ٱلآخِرَةِ }: عيسى بن مريم يخرجون معه. قال ابن جريج: قال ابن عباس: ساروا في السَّرَب سنة ونصفاً.
وقيل: هم قوم في منقطع من الأرض، لا يوصل إليهم، آمنوا بمحمد (صلى الله عليه وسلم)، وأقاموا الحنيفية كأنهم بنو أب وأم، ليس لأحد منهم مالٌ دون صاحبه، يُمطرون في كل ليلة، ويصحون في النهار، يزرعون ويحرثون، ليس يدخر أحد منهم دون أخيه شيئاً، مقيمين على عبادة الله (عز وجل)، لا يبكون على ميت.
وقيل في معنى: { وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ }: أنه يكون هدى لمن آمن منهم بمحمد (صلى الله عليه وسلم)، ويكون لقوم قد هلكو.
ثم قال تعالى: { وَقَطَّعْنَاهُمُ ٱثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً }.
فـ "أسباط" بدل من: { ٱثْنَتَيْ عَشْرَةَ }. و { أُمَماً } نعت لـ "الأسباط".
و "الأسباط": الفرق.
وقيل: هم القَرْنُ [الذي] يجيء بعد قَرْنٍ.
و "الأسباط" في ولد إسحاق، (عليه السلام)، بمنزلة القبائل في ولد إسماعيل.
و "الأَسْبَاطُ": مأخوذ من: السَّبط"، وهو شيء تَعْتَلِفُهُ الإبل، فكأن إسحاق (عليه السلام)، / بمنزلة شجرة، والأولاد بمنزلة أغصانها، فشُبّهَ ذلك بـ "السَّبَط".
وإنما أنث في { ٱثْنَتَيْ }؛ لأن "الأسباط" في موضع الفرقة؛ فكأنه: اثْنَتَيْ عشرة فرقة.
وقيل المعنى: وقطعناهم فرقاً اثنتي عشرة أسباطاً.
وقال بعض الكوفيين: إنما أُنِّثَ؛ لأن الكلام ذهب (به) إلى "الأمم"، فغلَّبَ التأنيث، كما قال:

وَإِنَّ كِلاَباً هَذِهِ عَشْرُ أَبْطُنٍ وَأَنْتَ بِرِيءٌ مِنْ قَبَائِلِها العَشْرِ

فأنَّث ذهب بـ "البطن" إلى القبيلة.
وقال بعضهم: "إنما أنث لذكر "الأُمَمِ" بعد ذلك.
وقيل المعنى: وقطعناهم قطعاً اثْنَتَي عَشْرَةَ، فأنث لتأنيث "القطعة"، ودل على ذلك: "قَطَعْنا".
و "أسباط" ليس بِتَفْسير للعدد؛ لأن حق هذا أن يفسر بواحد؛ وإنما هو بَدَل.
ثم قال: { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ إِذِ ٱسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ }.
أي: لما فرقناهم اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أسباطاً، أوحينا إليه إذا عطشوا، { أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ }، وقد تقدم ذكر ذلك في البقرة.
{ فَٱنبَجَسَتْ }.
أي: انفجرت.
{ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ }.
أي: لا يدخل سبط على سبط في شربه.
{ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلْغَمَامَ }.
يعني: من حر الشمس، وذلك في التِّيهِ، وقد تقدم ذكر هذا في البقرة.