التفاسير

< >
عرض

فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَالِدِينَ
٢٠
وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّاصِحِينَ
٢١
فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا ٱلشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ ٱلشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌ مُّبِينٌ
٢٢
-الأعراف

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله: { فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَانُ }، الآية.
قرأ ابن عباس: ويحيى بن أبي كثير: "مَلِكَيْن" بكسر "اللام". أي: من الملوك الذين في الدنيا.
ومن فتح "اللام" فمعناه: من الملائكة.
والمعنى: فالقى إليهما قولاً حملهاً على ركوب النهي.
ومعنى { لِيُبْدِيَ لَهُمَا }،: ليظهر سوآتهما التي هي مستورة، وحلف لهما أني ناصح لكما في أن ربكما إنما نهاكما عن أكل الشجرة، كراهة أن تكونا مَلَكَيْن، أو كراهة أن تخلدا في الجنة.
ومعنى { [وَ]قَاسَمَهُمَآ }، حلف لهما، مثل طارقتُ النَّعْلَ وعاقَبْت اللص.
وقال قتادة: حلف لهما بالله، وقال: أنا خُلقت قبلكما، وأنا أعلم منكما، فاتبعاني أرشدكما.
{ فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ }.
أي: غرهما باليمين التي حلف لهما، وكان آدم، (صلوات الله [عليه])، يظن أنه لا يحلف أحد بالله كاذباً، فغره ذلك.
قال ابن عباس: كانت الشجرة التي نهيا عن أكلها، السنبلة، فلما أكلا بدت سوآتهما، أي: تقلص النور الذي كان يسترهما، فصار أظفاراً في الأيدي والأرجل، وظهرت سوآتهما لهما، فعمدا يلزقان ورق التين بعضها إلى بعض، فانطلق آدم موليّا في الجنة، فأخذت برأسه شجرة من الجنة، فناداه الله: أي آدم أمني تفر؟ فقال: لا، ولكني استحييت منك يا رب! فقال: أما كان لك فيما منحتك من الجنة مندوحة عما حرمت عليك؟ قال: بلى يا رب، ولكن وعزتك ما حسبت أن أحداً يحلف بك كاذباً.
قال ابن جبير: حلف لهما بالله حتى خدعهما، وقد يخدع المؤمن بالله.
ومعنى "وسوس": زين وألقى، وحسس المعصية حتى أكلا.
وقد تقدم ذكر دخول إبليس الجنة في فم الحية، وكانت إذ ذاك دابة لها أربع قوائم، كأنها البعير كاسية، فأعراها الله، وأزال قوائمها عقوبة لها.
و "اللام" في { لِيُبْدِيَ }: لام العاقبة، بمنزلة:
{ فَٱلْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } [القصص: 8].
ولما حملها على الأكل تقدمت حواء للأكل، وأبى آدم أن يأكل، فأكلت حواء، وقالت: يا آدم كل فإنه لم يضرني فأكل، فـ: { بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ }.
قال مجاهد: يعنى: يرقعانه كهيئة الثوب.
ومعنى (طَفِقَا): جعلا.
وأتت الأخبار عن النبي، عليه السلام، أن الله تعالى خلق آدم يوم الجمعة، ويوم الجمعة خرج من الجنة، وفيه تيب عليه، وفيه قبضه.
وكان مقدار مكث آدم في الجنة خمس / ساعات.
وقيل: ثلاث ساعات.
وقال ابن عباس: كان مكث آدم نصف يوم من أيام الآخرة، وخرج بين الصلاتين: الظهر والعصر.
قال علي بن أبي طالب، رضي الله عنه،: أطيب أرض بالأرض ريحاً الهند، هبط آدم بها، فعلق شجرها من ريح الجنة.
وقال ابن زيد: أهبط آدم بالهند، وحواء بجدة، فجاء في طلبها حتى أتى "جمعاً" فازدلفت إليه حواء، فلذلك سميت "المزدلفة"، وتعارفا بعرفات، فلذلك سميت "عرفات"، واجتمعا بِجَمْع، فلذلك سميت "جمعاً".
وأهبطت الحية بأصبهان، وإبليس بميسان.
وقيل بساحل بحر الأُبُلَّة.
ولما أهبط آدم إلى الأرض، أهبط على جبل يسمى: "بوذ"، وكان أطول جبال الأرض، فكان آدم عليه السلام، رجلاه على الجبل ورأسه في السماء، فكان يسمع تسبيح الملائكة ودعاءهم، وكان (آدم) يأنس لذلك، فهابته الملائكة، فخفضه الله إلى الأرض الى ستين ذراعاً فاستوحش، فشكا إلى الله في دعائه، فوجه إلى مكة فأنزل الله ياقوتة من الجنة، فكانت في موضع البيت فلم يزل يطاف بها حتى نزل الطوفان، فرفعت حتى بعث الله إبراهيم، فبناه.
وكان أصل الطيب عند جماعة من أهل التفسير: الورق الذي طفق آدم وحواء يخصفانه على أنفسهما نزلا به إلى الدنيا.
وقيل: إنه خرج ومعه صرة من حنطة.
وقيل: إن جبريل أتاه بها حين استطعم، أتاه بسبع حبات فوضعها في يد آدم، فقال آدم: وما هذا؟، فقال له جبريل: هذا الذي أخرجك من الجنة، فعلمه ما يصنع به.
قال سعيد بن جبير: أهبط إلى آدم ثور أحمر، (فكان) يحرث عليه، ويمسح العرق، وهو قوله:
{ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ } [طه: 117].
ومعنى { فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ }، (أي): خدعهما.
واللام في (قوله): { لِيُبْدِيَ } هي مثل اللام في:
{ { لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } [القصص: 8]؛ لأن إبليس لم يعلم أنهما إن أَكلا من الشجرة { [بَدَتْ لَهُمَا] سَوْءَاتُهُمَا } إنما حملهما على ركوب المعصية لا غير. فكان عاقبة أمرهما لما أكلا ظهور سوءاتهما، فجاز أن يقول: فوسوس لهما ليبدي لهما لما أل أمرهما إلى ظهور سوءاتهما، كان كأنه فعل ذلك بهما لتظهر سوءاتهما.