تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه
قوله: { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } الآية.
المعنى: فمن أخطأ فعلاً، { مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ }، [أي]: اختلق على الله الكذب، فقال إذا فعل فاحشة: الله أمرنا بها. { أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ }، أي: بعلاماته الدالة على وحدانيته، ونبوة أنبيائه. { أُوْلَـٰئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ ٱلْكِتَابِ }، أي: حظهم مما كتب لهم من العذاب وغيره في اللوح المحفوظ.
قال السدي: هو ما كتب لهم من العذاب.
وكذلك قال الحسن، وغيره.
وقال ابن جبير: ما هو سبق لهم من الشقوة والسعادة.
وكذلك قال مجاهد، وقاله ابن عباس.
[وعن ابن عباس]. أيضاً: إن المعنى ينالهم نصيبهم مما كتب عليهم من أعمالهم، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.
وقال قتادة المعنى: ينالهم في الآخرة نصيبهم من أعمالهم التي عملوها في الدنيا.
وقيل المعنى: { يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ ٱلْكِتَابِ } الذي كتبه الله عز وجل، على من افترى عليه.
وعن ابن عباس أنه قال: { يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم }، هو ما قد كتب لمن يفترى على الله أن وجهه مسود.
وقال القرظي المعنى إن: { نَصِيبُهُم مِّنَ ٱلْكِتَابِ } هو رزقه، وعمله، وعمره.
وكذلك قال الربيع بن أنس.
وكذلك قال ابن زيد.
وقيل المعنى: { يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ ٱلْكِتَابِ }، هو ما كتب عليهم من سواد الوجوه، وزرقة الأعين، قال تعالى: { وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ تَرَى ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى ٱللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ } [الزمر: 60].
وقيل: (المعنى)، هو ما ينالهم في الدنيا من العذاب، دون عذاب الآخرة، من قوله: { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَدْنَىٰ [دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَكْبَرِ] } [السجدة: 21]، الآية.
وكان الطبري يختار أن يكون المعنى: إنه ما كتب لهم في الدنيا، من خير وشر، ورزق وعمل وأجل، قال: ألا ترى أنه تعالى أتبع ذلك بقوله: { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ }، فأخبر بآخر أمرهم بعدما نالهم من: { نَصِيبُهُم مِّنَ ٱلْكِتَابِ }، وهو الرزق، والعمر، والأجل، والخير والشر.
وقيل: المعنى، إنه قوله تعالى: { فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّىٰ } [الليل: 14]، وقوله: { يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً } [الجن: 17] هذا { نَصِيبُهُم مِّنَ ٱلْكِتَابِ }، وهو ينالهم في الآخرة، ومثله: { إِذِ ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ وٱلسَّلاَسِلُ } [غافر: 71]، ومثله: { فِي ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ } [النساء: 145]، هذا وشبهه من: { نَصِيبُهُم مِّنَ ٱلْكِتَابِ }، الذي ينالهم في الآخرة.
وقوله: { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ }.
قال الحسن: هذه وفاة إلى النار.
فيقول لهم الرسل: { أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ }، هذا / كله في الآخرة، فيشهدون على أنفسهم بالكفر حينئذ.
وقيل المعنى: إن هؤلاء المفترين ينالهم ما كتب لهم في الدنيا إلى أن يأتيهم { رُسُلُنَا }، يعني: ملك الموت وجنوده { يَتَوَفَّوْنَهُمْ }، أي: يستوفون عددهم من الدنيا إلى الآخرة، { أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ }، أي: قالت الرسل للكفار: أين الذين كنتم تدعونهم من دون الله وتعبدونهم يدفعون عنكم الآن ما جاءكم من أمر الله (عز وجل)؟
{ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا }، أي: جاروا، وأخذوا غير طريقنا وتركونا عند حاجتنا إليهم.
ثم قال الله (تعالى): { وَشَهِدُواْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ }، أي: عند الموت.