التفاسير

< >
عرض

إِذْ أَنتُمْ بِالْعُدْوَةِ ٱلدُّنْيَا وَهُم بِٱلْعُدْوَةِ ٱلْقُصْوَىٰ وَٱلرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي ٱلْمِيعَادِ وَلَـٰكِن لِّيَقْضِيَ ٱللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ
٤٢
-الأنفال

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله: { إِذْ أَنتُمْ بِالْعُدْوَةِ ٱلدُّنْيَا وَهُم بِٱلْعُدْوَةِ ٱلْقُصْوَىٰ } إلى قوله: { لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ }.
العامل في { إِذْ } قوله:
{ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ } [الأنفال: 41] { إِذْ أَنتُمْ }.
والمعنى: إذ أنتم نزُولُ شفير الوادي الأدنى إلى المدينة، وعدوكم بشفير الوادي الأقصى إلى مكة.
{ وَٱلرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ }.
أي: والعير التي فيها أبو سفيان وأصحابه أسفل منكم إلى ساحر البحر.
ولا يقال: ركب إلا للذين على الإبل.
وكان أبو سفيان قد أتى هو وأصحابه تجاراً من الشام، لم يشعروا بأصحاب بدر، ولم يشعر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. بكفار قريش، ولا كفار قريش بأصحاب محمد عليه السلام، حتى التقوا على ماء بدر.
{ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي ٱلْمِيعَادِ }.
أي: لو كان اجتماعكم في الموضع الذي اجتمعتم فيه عن ميعاد، لاختلفتم، لكثرة عدد عدوكم، وقلة عددكم.
{ وَلَـٰكِن لِّيَقْضِيَ ٱللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً }.
أي: جمعكم الله عز وجل، وإياهم { لِّيَقْضِيَ ٱللَّهُ } عز وجل، { أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً }، وذلك القضاء هو / نصره للمؤمنين، وتعذيبه للمشركين بالسيف والأسر.
وقيل المعنى: لو كان [ذلك] [عن] ميعاد منكم ومنهم، ثم بلغكم كثرة عددهم مع قلة عددكم، ما لقيتموهم.
قال كعب بن مالك: إنما خرج النبي صلى الله عليه وسلم، إلى بدر يريد عِيرَ قريش، حتى جمع الله عز وجل، بينهم وبين عدوهم؛ لأن أبا جهل خرج ليمنع النبي صلى الله عليه وسلم، من العير، فالتقوا ببدر، ولا يشعر كل واحد بصاحبه.
ثم قال تعالى: { لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ }.
أي: ليموت من مات عن حجة، أي: جمعهم على غير ميعاد، { لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ }، أي: عن حجة قطعت عذره، ويعيش من عاش عن حجة قد ظهرت له.
وقيل المعنى: ليكفر من كفر عن أمر بيّن، ويؤمن من آمن عن أمر بَيّن.
{ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ }.
أي: لقولكم: { عَلِيمٌ } بما تضمره نفوسكم في كل حال.
قوله: { مَنْ حَيَّ }.
من قرأ بـ "الإِدْغَامِ"، فإنه أدْغم لاجتماع المثلين؛ ولأنه في السواد بـ: "يَاءٍ" واحدة.
ومن أظهر أجراه مجرى المستقبل، فلما لم يجز الإدغام في المستقبل (أجري الماضي على ذلك، فأظهر، وقد أجاز الفراء الإدغام في المستقبل)، ومنعه جميع البصريين؛ لأنه يجتمع في المستقبل حرفان متحركان، فـ: "الياء" الثانية حق أصلها أن تكون ساكنة، ولا يقاس هذا على ما صح لم يخف؛ لأنَّ "يحيى" يحذف ياؤه للجزم، ولا يحذف في "يخف" شيء للجزم.