تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه
قوله: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا }، إلى قوله: { ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ }.
قوله: { تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ }، هو خطاب للنبي عليه السلام.
أي: فإنك تطهرهم بها وتزكيهم، وهذا قول الزجاج.
وقيل: هما للصدقة، لا للمخاطبة، وهما في موضع النعت للصدقة، وهو قول الأخفش، قال: ويكون { بِهَا } توكيداً.
فـ: "التاء" على القول الأول للمخاطبة، وفي { تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ } ضمير النبي صلى الله عليه وسلم. وهي على القول الثاني: الثانية للصدقة لا للمخاطبة، وفي { تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ } ضمير الصدقة.
وقيل: هما للنبي عليه السلام، وهما في موضع الحال منه.
وقيل: { تُطَهِّرُهُمْ } للصدقة، صفة [لها]، { وَتُزَكِّيهِمْ } للنبي عليه السلام، حال منه.
وأجاز بعض النحويين، في { تُطَهِّرُهُمْ } الجزم؛ لأنه جواب الأمر.
وحجة من قرأ: { صَلَٰوتَك } بالجمع هنا، وفي "هود"، وفي "المؤمنين" إجماعهم على الجمع في: { وَصَلَوَاتِ ٱلرَّسُولِ } [التوبة: 99] ولا فرق بينها والتي في سورة المؤمنين، يراد بها الصلوات الخمس، فالجمع أولى به؛ ولأنها مكتوبة في المصحف بالواو، فدل ذلك على الجمع، وعلى أن الألف التي بعد الواو اختصرت / من الكتاب.
وقد كتبوا ما عدا هذه الثلاثة بالألف، فدلت الواو في هذه الثلاثة على أنه جمع، وحذفت الألف بعد الواو كما حذفت من درجات وبينات.
ومن قرأ بالتوحيد، احتج بالإجماع في: { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي } [الأنعام: 162]، بالتوحيد، وإجماعهم على التوحيد في "الأنعام"، و { سَأَلَ سَآئِلٌ } [المعارج: 1].
وأيضاً فإن قوله: إنَّ صَلاَتَكَ أعم من: إن صلواتك؛ لأن الجمع إنما هو لما دون العشرة، فكأنه: "إنّ دعواتك"، والتوحيد بمعنى: "إنَّ دعاءك"، والدعاء أعم من "الدعوات" وأكثر؛ لأن المصدر أعم من الجمع الذي لما دون العشرة.
ومعنى الآية: خذ يا محمد من أموال هؤلاء الذين اعترفوا بذنوبهم [{ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ } من دنس ذنوبهم، { وَتُزَكِّيهِمْ }، أي: تنميهم]، وترفعهم بها، { وَصَلِّ عَلَيْهِمْ }، أي: ادع لها بالمغفرة، { إِنَّ صَلَٰوتَك سَكَنٌ لَّهُمْ }، أي: إن دعاءك طمأنينة لهم، بأن الله قد عفا عنهم، { وَٱللَّهُ سَمِيعٌ }، أي: سميع لدعائك إذا دعوت، ولغير ذلك.
قال ابن عباس: أتى أبو لُبابة وأصحابه حين أطلقوا، وتيب عليهم، بأموالهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا يا رسول الله هذه أموالنا فتصدق بها عنا، واستغفر لنا، فقال: ما أُمرت أن آخذ من أموالكم شيئاً، فأنزل الله، عز وجل: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً }، الآية.
وقد قيل: { وَصَلِّ عَلَيْهِمْ }: منسوخٌ بقوله: { وَلاَ تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً } [التوبة: 84].
وقيل: إنَّها محكمة.
والمعنى: وادع لهم إذا جاءوك بالصدقات، وعلى هذا أكثر العلماء.
وقال قتادة: { سَكَنٌ لَّهُمْ }، وقَارٌ لهم.
وقال زيد بن أسلم: قالوا: يا رسول الله، خذ من أموالنا صدقة تطهرنا بها، فأبى النبي صلى الله عليه وسلم، أن يأخذ. فأنزل الله عز وجل: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً }، الآية.
قال سعيد بن جبير: كان الثلاثة إذا (اشتكى أحدهم).
اشتكى الآخران مثله، وكان قد عَمِيَ، فلم يزل الآخر يدعو حتى عَمِيَ.
وقال ابن عباس: { سَكَنٌ لَّهُمْ }: رحمه لهم.
وقيل: إنَّ هذا إنَّما هو في الزكاة، أمر أن يأخذ زكاة أموالهم التي عليهم.
ثم قال تعالى: { أَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ }.
أخبر الله عز وجل، في هذه الآية بقَبول توبة من تاب من المناقين وغيرهم، وأخذ الصدقات من أموالهم.
فالمعنى: ألم يعلم هؤلاء الذين تخلفوا عن الجهاد، ثم ندموا وربطوا أنفسهم بالسواري وقالوا: لا نطلق أنفسنا حتى يكون النبي صلى الله عليه وسلم، هو الذي يطلقنا، أن ذلك (ليس) إلى النبي صلى الله عليه [وسلم]، ولا إلى غيره، وإنما هو إلى الله سبحانه، هو يقبل توبتهم، وتوبة غيرهم، ويأخذ صدقة من تصدق، بصدقةٍ، ويعلموا أن الله هو التواب الرحيم.
قال ابن زيد: قال المنافقون لما تاب الله على هؤلاء: كانوا بالأمس، لا يُكلَّمون ولا يُجَالَسُون، فما لهم اليوم يُكلَّمون ويُجالَسُون؟ فأنزل الله عز وجل، ألم يعلم هؤلاء الذين لم يتوبوا وتكلموا في هؤلاء الذين تُبت عليهم { أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ }، الآية.
قال ابن عباس: { وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ }، يعني إن استقاموا على / التوبة.
روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "إن الله يقْبلُ، الصدقة ويأخذها بيمينه، فيرُبِّيها لأحدكم كما يُربِّى أحدكم مهرة، حتى إنَّ اللقمة لَتَصير مثل أحد. وتصديق ذلك في كتاب الله: { هُوَ يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ ٱلصَّدَقَاتِ } و { يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلرِّبَٰواْ وَيُرْبِي ٱلصَّدَقَٰتِ }" .
وقال ابن مسعود: ما تصدق رجل بصدقة إلاّ وقعت في يد الله قبل أن تقع بيد السائل وهو يضعها في يد السائل، ثم تلا: { أَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ }.