تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه
قوله: { إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ }، إلى قوله: { وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ }.
قوله: { أَنفُسَهُمْ }: استغنى بأقل الجمع عن الكثير، والمراد الكثير، ولفظه لفظ القليل، وقد قال تعالى: { وَإِذَا ٱلنُّفُوسُ زُوِّجَتْ } [التكوير: 7] فهذا لفظه ومعناه سواء لأكثر العدد.
ومن قرأ: { فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ }، فبدأ بالمفعول.
قيل: الفاعل بمعناه فيُقْتل بعضهم، ويقتل بعضهم الباقي المشركين. والعرب تقول: نحن قتلناكم يوم كذا، أي: قتلنا منكم.
قوله: { وَعْداً }، مصدر مؤكد، و { حَقّاً } نعت له.
والمعنى: وعدهم الله الجنة وعداً حقاً عليه.
قال ابن عباس: { إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ [وَأَمْوَالَهُمْ] بِأَنَّ لَهُمُ ٱلْجَنَّةَ }، قال: ثامنهم والله، وأعلى لهم.
"ورُوي أن عبد الله بن رواحة قال للنبي صلى الله عليه وسلم: اشترط لربك ولنفسك ما شئت. فقال النبي عليه السلام: اشترط لربي: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأشترط لنفسي: أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم. فقالوا: فإذا فعلنا ذلك فماذا لنا؟ قال: الجنة. قالوا: ربح البيع، لا نُقيل ولا نستقيل" .
فنزلت: { إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ }، الآية.
ثم مدحهم الله، عز وجل، فقال: { ٱلتَّائِبُونَ ٱلْعَابِدُونَ }، أي: هم التائبون.
وقال الزجاج: هو بدل. والمعنى: يقاتل التائبون.
وقال: والأحسن أن يرتفعوا بالابتداء، والخبر محذوف، أي: لهم الجنة.
وفي قراءة عبد الله: { ٱلتَّائِبُونَ ٱلْعَابِدُونَ }، على النعت للمؤمنين، في موضع خفض، أو في موضع نصب على المدح.
وقيل: { ٱلتَّائِبُونَ } مبتدأ، وما بعدها إلى "الساجدين" عطف عليه، و { ٱلآمِرُونَ } خبر الابتداء، أي: مرهم بهذه الصفة، فهم { ٱلآمِرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَٱلْحَافِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِ }.
ومعنى { ٱلتَّائِبُونَ }: الراجعون مما يكرهه الله عز وجل، إلى ما يحبه.
وقال الحسن: { ٱلتَّائِبُونَ }، أي: عن الشرك، { ٱلْعَابِدُونَ }، الله وحده في أحايينهم كلها، أي: في أعمارهم.
ومعنى { ٱلْحَامِدُونَ }، الذين يحمدون الله على ما ابتلاهم به من خير وشر.
وقيل المعنى: الذين حمدوا الله على الإسلام.
ومعنى { ٱلسَّائِحُونَ }: الصائمون روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وكذلك قال ابن عباس، ومجاهد، والحسن، والضحاك.
وأصل السياحة: الذهاب في الأرض.
{ ٱلرَّاكِعُونَ ٱلسَّاجِدونَ }، يعني: في الصلاة المفروضة.
{ ٱلآمِرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ }، أي: بالإيمان بالله، عز وجل، وبرسوله عليه السلام.
/ { وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ }، عن الشرك { وَٱلْحَافِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِ }، أي: العاملون بأمر الله عز وجل، ونهيه، سبحانه.
{ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ }.
أي: بشر من آمن، وفعل هذه الصفات من التوبة والعبادة وغيرهما، وإن لم يغزوا.
وقال الحسن في هذه الآية: { ٱلْعَابِدُونَ }: الذين عبدوا الله عز وجل، في أحايينهم كلها، أما والله ما هو بشهر ولا شهرين ولا سنة ولا سنتين، ولكن كما قال العبد الصالح: { وَأَوْصَانِي بِٱلصَّلاَةِ وَٱلزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً } [مريم: 31].
قال: و { ٱلسَّائِحُونَ } الصائمون. وقال: { ٱلآمِرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ }، أما والله، ما أمروا بالمعروف، حتى أمروا به أنفسهم، ولا نهوا عن المنكر، حتى نهوا عنه أنفسهم، { وَٱلْحَافِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِ }، قال: هم القائمون على فرائض الله.