قوله: { يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ }، إلى قوله: { سَمِيعٌ عَلِيمٌ }.
والمعنى: يحلف، أيها المؤمنون، هؤلاء المنافقون لكم { لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ }، وأنتم لا تعلمون صدقهم من كذبهم، { فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَرْضَىٰ عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ }؛ لأنه يعلم سرائرهم وصدقهم وكذبهم.
ثم قال تعالى: { ٱلأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ }.
"أن": في موضع نصب، على تقدير: "وأجدر بأن لا".
تقول: "هو جدير بأن يفعل"، و "خليق بأن يفعل"، وإن شئت حذفت "الباء"، ولا يحسن حذف "الباء" إلا مع "أنْ"، لو قلت: هو جدير بالفعل، لم يكن بُدُّ من "الباء".
والمعنى: الأعراب أشَدُّ جحوداً لتوحيد الله سبحانه، ونفاقاً على رسوله عليه السلام، من أهل الحضر والأمصار، وذلك لجفائهم، وقسوة قلوبهم.
{ وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ }.
أي: وأخلق أن يجهلوا العلم والسنن.
ثم قال تعالى: { وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً }.
والمعنى: ومن الأعراب من يَعُدُّ ما ينفق فيما ندبه الله، عز وجل، إليه { مَغْرَماً } لا ثواب له فيه، { وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ ٱلدَّوَائِرَ } أي: ينتظر بكم ما تدور به الأيام والليالي من المكروه والسوء، { عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ }، أي: عليهم يرجع المكروه والسوء.
وهذا كله في منافقين من الأعراب، قاله: ابن زيد.
وقوله: { دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ }.
ومن قرأ بالضم، فمعناه: دائرة العذاب، و { دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ }: البلاء.
قال الفراء: ولا يجوز على هذا "هذا امرؤُ سوء"، كما لا يجوز "هذا امرؤ عذاب".
وقال المبرد "السَّوء" بالفتح: الرداءة.
قال سيبويه: "مَرَرْتُ بِرَجُلِ صِدْقِ"، معناه: مررت برجل صالح، وليس هو من صِدْق اللسان، وكذلك تقول: "مررت برجل سوء، أي: برجل فسادٍ، وليس هو من: سُوءتُهُ (سَوْءاً.
وقال الفراء: "السَّوْء" بالفتح، مصدر من: سُوْءتُهُ سَوْءاً ومَسَاءَة) وسَوَائِيةً وَمَسَائِية.
وقال اليزيدي في الضم، يعني: دائرة الشر، فكأن السُّوءَ الاسم، والسَّوء المصدر، فافهم.