التفاسير

< >
عرض

قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ ٱلسَّمْعَ وٱلأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ ٱلْمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ ٱللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ
٣١
فَذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمُ ٱلْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ ٱلْحَقِّ إِلاَّ ٱلضَّلاَلُ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ
٣٢
كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ فَسَقُوۤاْ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ
٣٣
قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ ٱللَّهُ يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ
٣٤
قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَهْدِيۤ إِلَى ٱلْحَقِّ قُلِ ٱللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِيۤ إِلَى ٱلْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيۤ إِلاَّ أَن يُهْدَىٰ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ
٣٥
-يونس

تفسير الجيلاني

{ قُلْ } يا أكمل الرسل لمن أنكر توحيد الحق، واستقلاله في الآثار والتدبيرات الواقعة في الأقطار إلزاماً لهم وتبكيتاً: { مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } بإمطار الأمطار، وتصعيد البخار { وَٱلأَرْضِ } بالإنبات والإخراج { أَمَّن يَمْلِكُ } ويستطيع أن يخلق { ٱلسَّمْعَ وٱلأَبْصَارَ } اللتين هما من أعظم أسباب حفظكم وحضانتكم { وَمَن يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ } الحيوان السوي { مِنَ ٱلْمَيِّتِ } أي: النطفة { وَيُخْرِجُ ٱلْمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ } أي: النطفة الجامدة من الحيوان { وَ } بالجملة: { مَن يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ } في عالم الأسباب والمسببات { فَسَيَقُولُونَ } اضطراراً لغاية ظهوره ووضوحه، لا يمكنهم أن يكابروا: { ٱللَّهُ } المدبر لجميع الأمور الكائنة في الآفاق والأنفس؛ إذ من غاية ظهوره لا يعاندون، ولا يكابرون { فَقُلْ } لهم بعدما اعترفوا بالله المدبر لجميع الكوائن والفواسد؛ توبيخاً وتقريعاً: { أَفَلاَ تَتَّقُونَ } [يونس: 31] وتحذرون من بطشه وانتقامه، تشركون له ما لايسمع ولا يضر، ولا يغني من الحق شيئاً.
{ فَذَلِكُمُ } الذي اعترفتم به، هو { ٱللَّهُ } المتوحد، المستحق للألوهية والمعبودية؛ إذ هو{ رَبُّكُمُ } أي: مربيكم ومدبر أمركم؛ لأنه { ٱلْحَقُّ } الثابت، الحقيق بالحقية { فَمَاذَا بَعْدَ } وحدة { ٱلْحَقِّ } مما اتخذتم آلهة ظلماً وزوراً { إِلاَّ ٱلضَّلاَلُ } الباطل { فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ } [يونس: 32] أي: فكيف تصرفون وترجعون إلى غيره من الأضلال الهالكة، وتنسبونها إلى الألوهية والربوبية.
{ كَذَلِكَ } أي: كما ثبت الربوبية والألوهية للحق سباحنه { حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ } أي: ثبتت وتمت صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته { عَلَى ٱلَّذِينَ فَسَقُوۤاْ } أي: خرجوا من عبادة الله ظلماً وعدواناً { أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } [يونس: 33] أي: لا يوقنون بالله، ولا يصلون إلى مرتبة التوحيد أصلاً، لا علماً ولا عيناً.
{ قُلْ } لهم يا أكمل الرسل إلزاماً وتبكيتاً: { هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ } أي: في وسعه وقدرتهم { مَّن يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ } أي: يوجده ثم يعدمه { ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ ٱللَّهُ يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ } كما هو شأن الإله، المنفرد بالألوهية { فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } [يونس: 34] أي: كيف تشكون وتصرفون عن جادة التوحيد بالميل إلى هؤلاء التماثيل الزائفة، العاطلة المعطلة.
{ قُلْ } لهم أيضاً تبكيتاً وإلزاماً: { هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَهْدِيۤ إِلَى } طريق { ٱلْحَقِّ } وصراط مستقيم، موصل إلى توحيده، فإن بهتوا { قُلِ ٱللَّهُ } الهادي لعباده { يَهْدِي لِلْحَقِّ } وطريق توحيده من يشاء من عباده، ويوصله إلى مرتبة حق اليقين { أَفَمَن يَهْدِيۤ إِلَى ٱلْحَقِّ } أي: اليقين الحقي { أَحَقُّ } أي: أليق وأحرى { أَن يُتَّبَعَ } أي: يطاع ويقاد له { أَمَّن لاَّ يَهِدِّيۤ } بنفقسه إلى شيء أصلاً { إِلاَّ أَن يُهْدَىٰ } فاهتدا إن كان من أهل الاستهداء كبعض آلهتكم، مث عزير وعيسى { فَمَا } عرض ولحق { لَكُمْ } أيها العقلاء، والمعزولون عن مقتضى العقل { كَيْفَ تَحْكُمُونَ } [يونس: 35] بألوهيتهم وشركتهم، مع أن بديهة العقل يأبى عن ذلك.