التفاسير

< >
عرض

وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَآءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ
٤٧
وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
٤٨
قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ
٤٩
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتاً أَوْ نَهَاراً مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ ٱلْمُجْرِمُونَ
٥٠
أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ الآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ
٥١
ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ
٥٢
وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّيۤ إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ
٥٣
-يونس

تفسير الجيلاني

{ وَ } اعلموا أن { لِكُلِّ أُمَّةٍ } أي: فرقةٍ وطائفة { رَّسُولٌ } مرسل من عند الله على مقتضى حكمته وحكمه؛ ليهديهم إلى توحيده { فَإِذَا جَآءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ } والعدل الموضوع من عند الله لإصلاح أحوال عباده { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } [يونس: 47] في يوم الجزاء، ولا ينقصون من أجور أعمالهم بل يجازون مقدار ما يقترفون من المعاصي.
{ وَ } من خبث بواطنهم { يَقُولُونَ } لك مستنكراً عليك، مستهزئاً معك يا أكمل الرسل: { مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ } الذي ادعيت إتيان العذاب فيه عين وقته { إِن كُنتُمْ } أيها المؤمنون { صَادِقِينَ } [يونس: 48] ي هذه الدعوة، مصدقين لمن يدعي الصدق فيهز
{ قُل } يا أكمل الرسل: { لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي } ولا أقدر أن أكتسب عليها ولها { ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ } وقدره في سباق قضائه، ومتى لم أقدر على أحوال نفسي، فكيف لي قدرة على استعجال ما في مشيئة الله في غيبه وتعيين وقته؟ مع أنه لم يأذن لي، ولم يوح إلي من عنده سوى أن { لِكُلِّ أُمَّةٍ } من الأمم سواء كانوا محقين أو مبطلين { أَجَلٌ } معين، ووقت مقدر، مقرر في علم الله { إِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ } الذي عيَّنه الحق؛ لإهلاكهم فيه لا يمكن التخلف فيه إذن لا استعجال ولا استئجار { فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } [يونس: 49] أي: لا يمكنهم طلب التأخير لمحةً وطرفةً؛ إذ الساعة مصروفة إلى مطلق الزمان؛ ليدفعوا الضر، ولا يمكنهم أيضاً طلب التقديم؛ ليجلبوا النفنع، بل الأمر حتم في وقته، لا يتجاوز عنه أصلاً، فانتظروا فسيجيء أجلكم ووقتكم، وينجز وعدكم.
ومتى كان الأجل مبهماً، ولم يمكن لأحد أن يعين وقته { قُلْ } لهم توبيخاً وتقريعاً: { أَرَأَيْتُمْ } أي: أخبروني أيها المجرمون المستعجلون للعذاب والنكال { إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتاً } أي: حال كونكم بائتين في الليل { أَوْ نَهَاراً } حال كونكم مترددين فيها، وعلى أي شأن وكل حال يصعب عليك أمره؛ إذ هو يفزعكم ويفجعكم، وإذ اكان حالكم عند نزوله وحلوله هذا { مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ } سبحاه من طوله؛ إذ كله مكروه { ٱلْمُجْرِمُونَ } [يونس: 50] المستحقون لأنواع العقوبة والعذاب، أتنكرون وتكذبون له وتصرون على ما أنتم عليه من الكفر والشرك إلى وقت حلول العذاب؟!.
{ أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ } ونزيل { آمَنْتُمْ بِهِ } ولم ينفعكم الإيمان حينئذ؛ إذ قيل لكم حينئذ من وراء سرادقات العز والجلال: { الآنَ } أيها الضالون المكذبون آمنتم { وَ } الحال أنه { قَدْ كُنتُم } من شدة إنكاركم وإصراركم { بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ } [يونس: 51] استهزاء وسخرية.
{ ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ } بالله بالخروج عن مقتضى أوامره وتكذيب رسله: { ذُوقُواْ } بدل ذوقكم واستلذاذكم بتكذيب الرسل، الاستهزاء بهم { عَذَابَ ٱلْخُلْدِ } المستمر الدائم الذي لا ينقطع أبد الآباد { هَلْ تُجْزَوْنَ } به { إِلاَّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ } [يونس: 52] في النشأة الأولى من الجرائم العظام والمعاصي والآثام.
{ وَ } بعد تبليغك إليهم مآل أمرهم وعاقبة حالهم، أنهم { يَسْتَنْبِئُونَكَ } ويستخبرونك على مقتضى أكنتهم المستكنة في قلوبهم: { أَحَقٌّ هُوَ } أي: ما أخبرت به من الوعيدات الهائلة؛ يعني: أجد هو أم هزل وتخويف؟ { قُلْ } مبالغاً في تحقيقه وتقريره: { إِي وَرَبِّيۤ } أقسم بربي { إِنَّهُ لَحَقٌّ } ثابت محقق عندي بوحي الله والهامه، لا شبهة في وقوعه وثبوته { وَمَآ أَنتُمْ } بأمثال هذه الشبهات الواهية الظنون والجهالات { بِمُعْجِزِينَ } [يونس: 53] مسقطين العذاب النازل عليكم.