التفاسير

< >
عرض

هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً وَٱلْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
٥
إِنَّ فِي ٱخْتِلاَفِ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ
٦
إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا وَرَضُواْ بِٱلْحَيٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَٱطْمَأَنُّواْ بِهَا وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ
٧
أُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ
٨
-يونس

تفسير الجيلاني

{ هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً } ليكون دليلاً على كمال ظهوره وإشراقه، وجلائه وانجلائه { وَٱلْقَمَرَ نُوراً } منيراً في ظلمات الليل؛ ليكون دليلاً على إنارته وإضاءته سبحانه في مشكاة التعينات وظلمات الهوايات { وَقَدَّرَهُ } أي: للقمر { مَنَازِلَ } في السماوات؛ تسهيلاً لكم في أموركم { لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ } التي تحتاجون إليها في معاملاتكم وتجاراتكم وحرثكم، كما قدر منازل نور النبوة والولاية في مشكاة الأنبياء والأولياء الوارثين منهم؛ لتقتبسوا أنوار الإيمان المزيحة لظلم الكفر والعصيان من مصابيح أولئك الأمناء الكرام، وتتوسلوا بهم إلى أن تستضيئوا بضياء الشمس الحقيقي التي لا أقول لها أصلاً.
ثم قال سبحانه ترغيباً لعباده، وتنبيهاً لهم علىأصل فطرتهم: { مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } أي: ما أظهر وأوجد سبحانه ما أظهر في عالم الغيب والشهادة؛ حسب أسمائه وأوصافه إلا بالحق الثابت الصريح بلا احتياج إلى الدلائل والشواهد؛ إذ لا شيء أظهر من ذاته سبحانه حتى يجعل دليلاً عليه، وإنما { يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ } المنبهة عليها { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } [يونس: 5] يتحققون بمرتبة اليقين العلمي؛ ليترقوا منها إلى اليقين العيني والحقي، وأما المحجوبون فهم من عداد البهائم والأنعام، لا يرجى منهم الفلاح؛ لخباثة طينتهم ورداءة فطرتهم.
{ إِنَّ فِي ٱخْتِلاَفِ ٱلَّيلِ } وإيلاجه في النهار { وَٱلنَّهَارِ } وإيلاجه في الليل { وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِي } أوضاع { ٱلسَّمَٰوَٰتِ } من الأمور المقتضية لاختلافهما { وَٱلأَرْضِ } من المكونات الكائنة فيها على مقتضى تربية العلويات وتدبيراتها { لآيَاتٍ } دلائل واضحات، وشواه لائحات دالة على قدرة القادر الحكيم المتقن في أمره وفعله { لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ } [يونس: 6] عن قهر الله، ويلتجئون إليه سبحانه عن غضبه وسخطه.
ثم قال سبحانه على سبيل التهديد والوعيد: { إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا } لإنكارهم إعادتنا إياهم في يوم الجزاء؛ لنجزيهم وفق ما عملوا { وَرَضُواْ بِٱلْحَيٰوةِ ٱلدُّنْيَا } المستعار بلا التفات إلى دار القرار { وَٱطْمَأَنُّواْ بِهَا } أي: أسكنوا ووطنوا نفوسهم بلذاتها وشهواتها { وَ } بالجملة: { ٱلَّذِينَ هُمْ } لقساوة قلوبهم وغباوة فطنتهم { عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ } [يونس: 7] ذاهلون مع وضوحها وظهورهها.
{ أُوْلَـٰئِكَ } البعداء، المعزولون عن مقتضى العقل المستفاد من العقل الكل { مَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [يونس: 8] من الكفر والعصيان، ومخالفة الفعل المفاوض.