التفاسير

< >
عرض

أَلاۤ إِنَّ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
٦٢
ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ
٦٣
لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ
٦٤
وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ ٱلْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ
٦٥
أَلاۤ إِنَّ لِلَّهِ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰت وَمَنْ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُرَكَآءَ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ
٦٦
-يونس

تفسير الجيلاني

{ أَلاۤ إِنَّ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهِ } المنخلعين عن لوازم البشرية بالكلية المنسلخين عن مقتضيات أهوية نفوسهم رأساً { لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [يونس: 62] إذ الخوف والحزن إنما هي من لوازم الطبيعة ومن ارتكاب مقتضياتها.
وبعدما انسلخوا عنها وتجردوا عن لوازمها وفانوا في هوية الحق وصاروا ما صاروا، لم يبقَ فيهم مبدأ الخوف والحزن والأمن والسرور؛ إلا لا يتصف الفاني بأمثال هذه الأضداد، وهم { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بالله في بداية سلوكهم؛ أي: تحققوا بمقام اليقين العلمي { وَ } بعد تمكنهم وتقررهم فيه { كَانُواْ يَتَّقُونَ } [يونس: 63] ويحذرون من سطوة سلطنة صفاته الجلالية لانغماسهم بشواغل أهوية الهويات وانهماكهم بعلائق التعينات.
ثمَّ لما استخلصوا منها بالإخلاص والإخبات الصاق { لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ } عند الله بالفوز العظيم { فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ } إذ هم تحققوا بمقام العبودية وتقرروا في مقر التوحيد، ووصلوا إلى ما أظهر الحق لأجله وهو المعرفة والشهود { لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ } التامات الناطقة بالكرامة والبشرى { ذٰلِكَ } التبشير الشامل للنشائين { هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } [يونس: 64] واللطف الجسيم لأهل العناية من أرباب القبول.
{ وَ } بعدما تحققت يا أكمل الرسل بولاية الله واتصفت بولائه وفزت بما فزت { لاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ } الباطل بالكفر والإشراك بالله وتكذيب كتابه، ومنه أنزل إليه، ولا تغتم بتهديدهم إياك ولا تبالِ مفاخرتهم وخيلاءهم بالمال والجاه عليك { إِنَّ ٱلْعِزَّةَ } المعتبرة العظيمة { لِلَّهِ } المتعزز برداء العظمة والجلال، المتوحد بنعوت الكمال والجمال { جَمِيعاً } لا يعتد بعزة هؤلاء الغواة والعصاة، وسيخذلهم الله عن قريب بالقهر والانتقام، وبنصرك عليهم بالغلبة والاستيلاء؛ إذ { هُوَ ٱلسَّمِيعُ } لأقوالهم الكاذبة الباطلة { ٱلْعَلِيمُ } [يونس: 65] بنياتهم الفاسدة يجازيهم على مقتضى علمه، وينتقم عنهم وفق خبرته.
قل يا أيها النبي الهادي لمن يدعي ربوبية الأظلال الهالكة وألوهية التماثيل الباطلة تنبيهاً لهم وإيقاضاً عن غفلتهم: كيف تدعون أيها الحمقى شركة المصنوع المفضول مع الصانع القديم الحكيم؟! { أَلاۤ إِنَّ لِلَّهِ } أي: تنبهوا أيها المسرفون الجاهلون بقدر الله المتوحد المتفرد بذاته، المتجلي في الآفاق بأسمائه وصفاته، مظاهر { مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰت } من الملائكة { وَمَنْ فِي ٱلأَرْضِ } من الثقلين، وهم من فضلهم وشرفهم وعلو شأنهم لا يستحقون الألوهية والربوبية { وَ } كيف يستحق أولئك الجمادات الساقطة عن درجة الاعتبار لذلك { مَا يَتَّبِعُ } المشركون { ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُرَكَآءَ } في ألوهيته مستحقين للعبادة كعبادته إلا الزور الباطل والزائع الزائل بل { إِن يَتَّبِعُونَ } أي: ما يتعبون هؤلاء الضالون المشركون { إِلاَّ ٱلظَّنَّ } والتخمين الناشئ من جهلهم وغفلتهم عن سر هوية الحق في المظاهر كلها؛ لذلك حقروها في مظهر دون مظهر { وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } [يونس: 66] أي: ما هم في ادعائهم وحصرهم هذا إلا كاذبون آفكون إفكاً عظيماً، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.