التفاسير

< >
عرض

هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ
٦٧
قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰت وَمَا فِي ٱلأَرْضِ إِنْ عِندَكُمْ مِّن سُلْطَانٍ بِهَـٰذَآ أَتقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
٦٨
قُلْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ
٦٩
مَتَاعٌ فِي ٱلدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ ٱلْعَذَابَ ٱلشَّدِيدَ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ
٧٠
-يونس

تفسير الجيلاني

كيف تغفلون عن الله أيها الجاهلون، وكيف تشركون معه غيره أيها المحجوبون { هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ } بكمال قدرته وحكمته لباساً { لِتَسْكُنُواْ فِيهِ } وتستريحوا من المتاعب { وَ } جعل لكم { ٱلنَّهَارَ مُبْصِراً } لتهتدوا إلى مطالبكم في أمور معاشكم { إِنَّ فِي ذٰلِكَ } الجعل والتقدير { لآيَاتٍ } عظام ودلائل جسام على كمال قدرته ومتانة حكمه وحكمته وتوحده في ألوهيته، وتفرده في ربوبيته واستقلاله في التصرف بلا مظاهرة أحد ومشاركة ضد وند { لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } [يونس: 67] سمع تدبر وتدرب واستكشاف تام بعزيمة صادقة صافية عن شوب الغفلة والذهول.
ومن كثافة حجبهم وغشاوة قلوبهم وأسماعهم وأبصارهم ما قدروا الله حق قدره؛ لذلك نسبوا إليه ما هو منزه عنه سبحانه؛ حيث { قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ } وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً، كيف يكون له ولد { هُوَ ٱلْغَنِيُّ } بذاته عن التعدد مطلقاً، ليس لغيره وجود أصلاً، بل { لَهُ } مظاهر { مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰت وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } ظهر عليها سبحانه حسب أسمائه الحسنى وصفاته العليا على مقتضى التجلي الحبي اللطفي بلا انصباغ لها بالكون والتحقق بالانعكاس؟ { إِنْ عِندَكُمْ } أي: ما عندكم أيها المجاهلون بمعرفة الله وحق قدره { مِّن سُلْطَانٍ } حجة وبرهان { بِهَـٰذَآ } الادعاء الكاذب والقول الباطل، بل تتكلمون به افتراء ومراء { أَتقُولُونَ } وتفترون أيها المفترون { عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [يونس: 68] ولا تدركون لياقته لجنابه.
{ قُلْ } يا أكمل الرسل نيابة عنا للمكذبين المفترين كلاماً ناشئاً عن محض الحكمة: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ } وينسبون { عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ } [يونس: 69] ولا يفوزون في النشأة الأخرى بمرتبة التوحيد التي هي معراج أهل الكمال، بل يحصل لهم بافترائهم هذا { مَتَاعٌ } أي: تمتع قليل { فِي ٱلدُّنْيَا } من الرئاسة والجاه { ثُمَّ } بعد انقضاء النشأة الأولى { إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ } في النشأة الأخرى { ثُمَّ } بعد تيقنهم وكشفهم فيها { نُذِيقُهُمُ ٱلْعَذَابَ ٱلشَّدِيدَ } بدل ما يتلذذون في النشأة الأولى { بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ } [يونس: 70] أي: بسبب كفرهم وشركهم.