التفاسير

< >
عرض

فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَآءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَآ أَنتَ نَذِيرٌ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ
١٢
أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَٰتٍ وَٱدْعُواْ مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
١٣
فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَآ أُنزِلَ بِعِلْمِ ٱللَّهِ وَأَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ
١٤
مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ
١٥
أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ ٱلنَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
١٦
-هود

تفسير الجيلاني

{ فَلَعَلَّكَ } يا أكمل الرسل من غاية ودادك إيمانهم ومحبتك متابعتهم { تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ } من عندنا، مشتملاً على توبيخهم وتقريعهم وزجرهم وتشنيعهم، كراهة أن يركنوا عنك ونصرفوا عن متابعتك { وَضَآئِقٌ } أي: بسبب وما يوحى إليك { بِهِ صَدْرُكَ } مخافة { أَن يَقُولُواْ } حين أظهرت عليهم بما أوحيت به: { لَوْلاَ } أي: هلا { أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ } بدل هذه التوبيخات والتقريعات من عند ربه ليتابع الناس له { أَوْ جَآءَ مَعَهُ مَلَكٌ } مصدق لنوبته ورسالته ليطيعوا ويؤمنوا له طوعاً بلا كلفة، لا تبالِ يا أكمل الرسل بهم وبقولهم { إِنَّمَآ أَنتَ نَذِيرٌ } بلغ ما أنزل إليك من إنذارهم وتخويفهم، ولا تلتفت إلى ردهم وقبولهم، وتوكل على دينك وثق به، فإنه يكفي عنك مؤمنة شرورهم وضررهم { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ } صدر عنهم { وَكِيلٌ } [هود: 12] عليهم يعلم منهم ما هو مستوجب العقوبة والعذاب، وما هو قوي للنوال والثواب، يجازيهم على مقتضى علمه وخبرته، أو لم يكف بتصديقك القرآن المعجز لأرباب اللسن والبيا في تشددهم في المعارضة والمقاتلة.
{ أَمْ يَقُولُونَ } مكابرة وعناداً: { ٱفْتَرَاهُ } واختلقه من تلقاء نفسه ونسبه إلى الوحي { قُلْ } لهم يا أ:مل الرسل حين نسبوك إلى الافتراء والاختلاق: { فَأْتُواْ } أيها المكابرون المعاندون { بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ } أي: مثل أقصر سورة من سور القرآن { مُفْتَرَيَٰتٍ } مختلفات على ما زعمتم مع أنكم أحق باختلافها؛ لكثرة تمرنكم وتزاولكم في أمر الإنشاد والإنشاء، وتتبع كلام البغاء والتعود بممارسة القصص والقصائد، وإن عجزتم عن اختلاقها بأنفسكم، فاستظهروا بإخوانكم ومعاونيكم { وَٱدْعُواْ مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ } واتفقوا معهم في اختلافها { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [هود: 13] في ظنكم هذا.
{ فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ } أيها المؤمنون ولم يأتوا بماتحديتم لهم { فَٱعْلَمُوۤاْ } أيها المؤمنون واطمأنوا وتيقنوا { أَنَّمَآ أُنزِلَ بِعِلْمِ ٱللَّهِ } وبكمال قدرته وإرادته، لا يمكن لأحد من مظاهره ومصنوعاته أن يأتي بمثله ويعارض معه، وكيف لا يعراض معه؛ إذ لا شيء سواه { وَأَن لاَّ إِلَـٰهَ } في الوجود { إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ } [هود: 14] مناقدون لحكمه مسلمون أموركم كلها إليه، مخلصون مطمئنون، متمكنون في جادة التوحيد، بل أنتم أيها الموحدون المحمديون هكذا.
ثم قال سبحانه على سبيل العظة والتذكير: { مَن كَانَ } بارتكاب الأعمال واحتمال شدائدها ومتاعبها { يُرِيدُ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا } المزخرفة التي تترتب عليها من الأموال والأود { نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا } لأجلها { وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ } [هود: 15] أي: لا ينقص شيء من أجور أعمالهم في النشأة الأولى إن كن غرضهم مقصوراً عليها، محصوراً بها.
وأمَّا في النشأة الأخرى { أُوْلَـٰئِكَ } القاصرون المقصرون هم { ٱلَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ } أي: لم يبقَ لهم مما يترتب على أعمالهم فيها { إِلاَّ ٱلنَّارُ } إذ حسناتهم تفوى إليهم في النشأة الأولى ولم يبقَ لهم إلا توفية السيئات، وليس توفية السيئات إلا بالنار وما يترتب عليها من العذاب والآلام { وَ } بالجملة: { حَبِطَ } وضاع واضمحل { مَا صَنَعُواْ فِيهَا } أي: في النشأة الأولى من الخيرات والمبرات بإرادتهم الأمور الدنيوية لأجلها { وَ } صار بعدم إصلاحهم وعكس مرادهم { بَاطِلٌ } فساد مقتضى { مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [هود: 16] من الصالحات فيها، وإن ظهر على صورة الصالحات.