التفاسير

< >
عرض

أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَاماً وَرَحْمَةً أُوْلَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ ٱلأَحْزَابِ فَٱلنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ
١٧
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أُوْلَـٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ وَيَقُولُ ٱلأَشْهَادُ هَـٰؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ
١٨
ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ
١٩
-هود

تفسير الجيلاني

{ أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ } أي: تظنون وتحسبون أن من انكشف له برهان واضح وكشف صريح وشهود محقق من قبل ربه، وتحقق بمقام التوحيد، وبسريان وحدة الذات في جميع الكائنات والفاسدات { وَ } مع ذلك ش{ يَتْلُوهُ } يطرأ عليه ويجري على لسانه { شَاهِدٌ } ناطق بتصديقه نازل { مِّنْهُ } أي: من عند ربه؛ امتناناً له وتفضلاً عليه، يريد ويقصد من أفعاله وأعماله الصادرة عنه ظاهراً مثل ما أراد أولئك المحجوبون المستورون عن الحق، وإحاطته وشموله واستقلاله في الآثار الظاهرة في الآفاق كلا وحاشا { هَلْ يَسْتَوِي ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ } [الزمر: 9] وما يتذكر إلا أولوا الألباب.
{ وَ } كيف ينكرون شهادة القرآن على تصديق خير الأنام؛ إذ { مِن قَبْلِهِ } أي: من قبل القرآن جاء { كِتَابُ مُوسَىٰ } من قبل مصدقاً له في دعواه وصار من عموم حكمه { إِمَاماً } أي: قدروة لقاطبة الأنام { وَرَحْمَةً } شاملة للخواص والعوام؛ لإهدائهم إلى دار السلام { أُوْلَـٰئِكَ } أي: أهل التوراة، وهم الذين يؤمنون بها ويمتثلون بما فيها { يُؤْمِنُونَ بِهِ } أي: بحقية القرآن لكونه مذكوراً في التوراة المنزل عليه { وَمَن يَكْفُرْ بِهِ } أي: القرآن وبحقيته { مِنَ ٱلأَحْزَابِ } المتحزبين مع المحرفين للتوراة، المنحرفين عن جادة الإيمان { فَٱلنَّارُ مَوْعِدُهُ } لا بدَّ أن يرد عليها على مقتضى العدل الإلهي { فَلاَ تَكُ } يا أكمل الرسل { فِي مِرْيَةٍ } شك وارتياب { مِّنْهُ } أي: من ورودهم عليها إنجازاً لوعده { إِنَّهُ ٱلْحَقُّ } النازل { مِن رَّبِّكَ } لا بدَّ أن يتحقق وقوعه { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ } لانهماكهم في الغفلة وغلظ حجابهم عن الله { لاَ يُؤْمِنُونَ } [هود: 17] بحقيته وحقية وعده وإنجازه الموعود؛ لذلك حرفوا ما جاء من عنده في كتابه، وزادوا عليه ما لم يجيء منه.
{ وَمَنْ أَظْلَمُ } على الله { مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } عمداً، وحرف كتابه بتنقيص شيء منه أو زيادة عليه { أُوْلَـٰئِكَ } المحرفون المجترئون على الله بتبديل آياته { يُعْرَضُونَ } في يوم العرض الأكبر { عَلَىٰ رَبِّهِمْ } ويُسألون عما فعلوا بكتاب الله، فينكرون ويستنزهون أنفسهم عنه { وَيَقُولُ ٱلأَشْهَادُ } من أعضائهم وجوارحهم إلزاماً لهم: { هَـٰؤُلاۤءِ } المسرفون المعاندون { ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمْ } وحرفوا كتابه افتراء ومراء، ظلماً وعدواناً، وبعد إشهاد هؤلاء الأشهاد، نودي من وراء سرادقات العز والجلال، تفضيحاً لهم وتخذيلاً على رءوس الأشهاد: { أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ } وطرده وإبعاده من سعة رحمته { عَلَى ٱلظَّالِمِينَ } [هود: 18] المجاوزين عن مقتضى حكمه وحكمته عناداً ومكابرة.
وهم { ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ } ويصرفون عباد الله { عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } الذي هو الشرع المنزل من عنده على أنبيائه ورسله بالعدالة والتقويم { وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً } أي: يريدون أن يحدثوا فيها عوجاً وانحرافاً؛ ليصرفوا ويرتدوا منها أهلها بعد إيمانهم بها وانقيادهم إليها فاستحقوا العذاب والنكال الأخروي { وَ } الحال أنه { هُمْ بِٱلآخِرَةِ } المعدة للجزاء والانتقام { هُمْ كَافِرُونَ } [هود: 19] منكرون لخبث طينتهم ورداءة فطرتهم.