التفاسير

< >
عرض

قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ ٱللَّهُ إِن شَآءَ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ
٣٣
وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِيۤ إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ ٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
٣٤
أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَاْ بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُجْرِمُونَ
٣٥
وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ
٣٦
وَٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ
٣٧
-هود

تفسير الجيلاني

{ قَالَ } نوح متأسفاً متحزناً، آيساً من إيمانهم: يا قوم لست بآتٍ بموعدٍ حتى تعجزوني وتضطروني وتستهزئوا بي، بل { إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ } أي: بالعذاب الموعود { ٱللَّهُ } المنتقم منكم { إِن شَآءَ } انتقامكم وتعلق إرادته لهلاككم { وَمَآ أَنتُمْ } حين غضبه سبحانه عليكم { بِمُعْجِزِينَ } [هود: 33] الله في فعله وأخذه؛ إذ هو القاهر فوق عباده، بل أنتم حينئذٍ عاجزون ومضطرون مقهورون.
{ وَلاَ يَنفَعُكُمْ } اليوم { نُصْحِيۤ } لئلا يلحقكم ما سيلحقكم حين حلول العذاب { إِنْ أَرَدْتُّ } وأحببت { أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ } لأحفظكم { إِن كَانَ ٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ } أي: لا ينفعكم نصحي اليوم إن تعلق إرادة الله ومشيئته في سابق علمه لإغوائكم، بل { هُوَ رَبُّكُمْ } ومولي أموركم { وَإِلَيْهِ } لا إلى غيره من الأظلال { تُرْجَعُونَ } [هود: 34] في جميع أموركم وحلااتكم.
أتريد يا نوح نصحهم وإشفاقهم، وهم لا يقبلون منك { أَمْ } بل { يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ } أي: اختلقه من عنده ونسبه إلى الوحي ترويجاً { قُلْ } لهم حين قالوا لك هذه مجاراة عليهم ومماراة: { إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ } واختلفت ما جئت به { فَعَلَيَّ إِجْرَامِي } أي: وبال أمري ونكاله { وَ } الحال أنه { أَنَاْ بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُجْرِمُونَ } [هود: 35] وتنسبون إلي من الجرائم.
{ وَ } بعدما بالغوا في العتو والفساد والإصرار على ماهم عليه من الجور والفساد { أُوحِيَ } وألهم { إِلَىٰ نُوحٍ } حين ظهر عليهم أمارات الإنكار، ولاح علامات الاستخفاف والاستكبار { أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ } لك أبداً بعد هذا { مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ } لك قبل هذا، فاقنط عن إيمانهم، ولا تجتهد في نصحهم وإهدائهم { فَلاَ تَبْتَئِسْ } ولا تغتم من إهلاكهم ونزول العذاب عليهم إنهم مهلكون { بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } [هود: 36] من الإعراض والإنكار والعتو والاستكبار.
{ وَ } بعدما حصل لك اليأس والقنوط من إيمانهم { ٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ } لحفظك ولمن آمن معك من الغرق { بِأَعْيُنِنَا } أي: بكنفنا وجوارنا وحفظنا وحصاننا { وَوَحْيِنَا } لك كيف تصنعها وتشيدها { وَ } بعدما صنعت { لاَ تُخَاطِبْنِي } ولا تناجِ معي { فِي } إنجاء القوم { ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ } أنفسهم بالمكابرة والعناد ونبذوا وراء ظهورهم ما جئت به من الهداية والرشاد { إِنَّهُمْ } بسبب انهماكهم في الغفلة والغرور { مُّغْرَقُونَ } [هود: 37] مهلكون حتماً، لانجاة لهم أصلاً.