التفاسير

< >
عرض

وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ إِنِّيۤ أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ
٨٤
وَيٰقَوْمِ أَوْفُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ
٨٥
بَقِيَّتُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ
٨٦
قَالُواْ يٰشُعَيْبُ أَصَلَٰوتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءابَاؤُنَآ أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِيۤ أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنتَ ٱلْحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ
٨٧
-هود

تفسير الجيلاني

{ وَ } اذكر يا أكمل الرسل للمؤمنين المعتبرين من ذوي الاستبصار والاعتبار وقت؛ إذ أرسلنا { إِلَىٰ مَدْيَنَ } حين بالغوا التطفيف والتخسير في المكيلات والموزونات { أَخَاهُمْ } ومن شعيتهم { شُعَيْباً } المتشغب منهم، ليكون أدخل في نصحهم وأجهد في إهدائهم وإرشادهم { قَالَ يٰقَوْمِ } موصياً له، متحنناً على وجه الشفقة والنصيحة { ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } الواحد الأحد الصمد الذي ليس له شريك في الوجود والألوهية والربوبية وتيقنوا أنه { مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ } مظهر لكم ولجميع ما ظهر وبطن غيباً وشهادة { غَيْرُهُ } بل الألوهية محصورة إليه، مقصورة له؛ إذ لا شيء سواه، ولا يستحق للعبادة إلا هو { وَ } عليكم أيها المأمورون من عنده بالاعتدال والاقتصاد في جميع الأخلاق والأفعال والأحوال أن { لاَ تَنقُصُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ } لبني نوعكم { إِنِّيۤ أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ } أي: سعة ورفاهية غاية لكم وتفضلاً عليكم، فعليكم أن تزويدها وتديموها بالشكر والإنصاف والانتصاف على مقتضى ما أُمرتم به من عند ربكم، وإن لم تعلموا مني ونصحي ولم تقبلوا قولي { وَإِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ } من غيرة الله وكمنال قهره وسطوته { عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ } [هود: 84] فيه عذابه على جميع أهل الزيغ والضلال، المنحرفين عن جادة الاعتدال.
{ وَ } بعدما قدم عليهم المنهي للعناية والاهتمام بشأنه، أردفه بالمأمور؛ للتأكيد والمبالغة وزيادة التقرير والإحكام، كأنه استدل عليه لمزيد إشفاقه وكمال مرحمته، فقال: { يٰقَوْمِ } إن أردتم خير الدارين ونفع النشأتين { أَوْفُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ } على عباد الله؛ أي: لا تزيدا عليها ولا تنقصوا منها؛ إذ الطرفان كلاهما مذمومان، بل أوفوهما { بِٱلْقِسْطِ } والعدل { وَ } عليكم أن { لاَ تَبْخَسُواْ } ولا تنقضوا { ٱلنَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ } في حال من الأحوال { وَ } بالجملة: { لاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ } [هود: 85] أي: لا تظهروا عليها بالخداع والحيف والبخس والتطفيف.
{ بَقِيَّتُ ٱللَّهِ } التي قدرها في سابق حضرة علمه { خَيْرٌ لَّكُمْ } ومزيد مما لكم من تطفيفكم وتنقيصكم { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } بالله وبتدبيراته وتقديراته { وَ } اعلموا يا قوم إني { مَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } [هود: 86] يحفظكم عن جميع ما لا يعينكم، بل أنا مبلغ ما أُرسلت به إليكم، فلكم الامتثال والتوفيق من الله الكبير المتعالِ.
ثم لما سمعوا منه ما سمعوا { قَالُواْ } مستهزئين متهكيمن { يٰشُعَيْبُ } المدعي دعوة الخلق إلى الحق { أَصَلَٰوتُكَ } الكثيرة التي تصليها في خلواتك { تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءابَاؤُنَآ } من الأصنام والأوثان { أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِيۤ أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ } أي: تأمرك صلواتك أن نترك أفعالنا الت كنا كعلمنا بها في ازدياد أموالنا حسب إراداتنا واختيارنا { إِنَّكَ } أيها الداعي للخلق إلى الحق { لأَنتَ ٱلْحَلِيمُ } ذو الحلم والكرم، ولا تعجل في الانتقام { ٱلرَّشِيدُ } [هود: 87] العاقل، لا تتكدر بمثل هذه الأوهام، قالوا له هذا استهزاء وسخرية.