{ قَالَ } شعيب بعدما تفرش بنور النبوة باستهزائهم: { يٰقَوْمِ } الساعين للباطل المصرين عليه { أَرَأَيْتُمْ } أخبروني { إِن كُنتُ } جئت لكم { عَلَىٰ بَيِّنَةٍ } مصدقة نائشة { مِّن } قبل { رَّبِّي } معجزة لجميع ما يقابلني ويعارضني { وَ } مع ذلك { رَزَقَنِي مِنْهُ } أي: من عنده سبحانه { رِزْقاً حَسَناً } معنوياً وصورياً وروحانياً وجسمانياً، فهل يليق بمثلي أن يفترى عليه، وينسب ~إليه مراء ما لم يوحَ من عنده كذباً وبهتاناً { وَ } اعلموا أيضاً أني { مَآ أُرِيدُ } بنهيي لكم عن التطفيف والتبخيس { أَنْ أُخَالِفَكُمْ } فيما أنتم عليه وأرجع بنفسي { إِلَىٰ مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ } لأستبد وأتخصص به، وهو إفساد وميل عن جادة الله لاحق وصراط الله ألأقوم، فكيف يميل الموحد المؤيد إلى أمثال هذا، بل { إِنْ أُرِيدُ } أي: ما أريد { إِلاَّ ٱلإِصْلاَحَ } مقدار { مَا ٱسْتَطَعْتُ وَ } ما أنا متكفل للصلاح أيضاً ومدع الاستقلال به { مَا تَوْفِيقِيۤ } أي: إقداري وتمكيني وحولي وقوتي { إِلاَّ بِٱللَّهِ } إذ لا حول ولا قوة بالأصالة إلا بالله لذلك { عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ } أي: وثقت والتجأت { وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } [هود: 88] وأتوجه في جميع ما رجوت؛ إذ هو مولاي ومولي أموري وعليه اعتمادي واعتضادي.
{ وَ } بعدما تفرس منهم المصيبة والمراء المفرط، قال على مقتضى الحبة والشفقة وإرخاء العنان: { يٰقَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِيۤ } أي: لا يحملنكم بغضي وعداوتي على الجرائم المستجلبة لأنواع العذاب والنكال، إني أخاف عليكم { أَن يُصِيبَكُم } بسبب جرائمكم وعصيانكم { مِّثْلُ مَآ أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ } مثل ما أصاب { قَوْمَ هُودٍ أَوْ } مثل ما أصاب { قَوْمَ صَالِحٍ } وباجملة: { وَمَا قَوْمُ لُوطٍ } وقصة استئصالهم وإهلاكهم وتقليب أماكنهم عليهم { مِّنكُم بِبَعِيدٍ } [هود: 89] متمادٍ في البعد إلى حيث يحصل لكم الذهول عنه لقرب عهدهم.
{ وَ } يا قوم { ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ } الذي أظهركم من العدم من جميع فرطاتكم { ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ } أي: اخلصوا في إنابتكم ورجوعكم، ولا تغتموا بعد إخلاص التوبة بما جرى عليكم من الجرائم { إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ } يقبل توبتكم ويعفو عن زلاتكم { وَدُودٌ } [هود: 90] يحبكم ويرحمكم ويتفضل عليكم.
وبعدما بالغ في نصحهم وإرشادهم { قَالُواْ } تسفيهاً عليه وتخويفاً: { يٰشُعَيْبُ } نادوه على سبيل الاستهزاء والاستحقار { مَا نَفْقَهُ } ونفهم ونعقل { كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ } أي: بعض هذياناتك التي تكلمت بها { وَإِنَّا } أي: وإن لم نفهم بعض كلماتك لابتنائها على الخبل والخرق { لَنَرَاكَ } في بادي الرأي { فِينَا ضَعِيفاً } في غاية الضعف والحقارة { وَ } بالجملة: { لَوْلاَ رَهْطُكَ } أي: عشائرك وأقوامك { لَرَجَمْنَاكَ } بالحجارة ألبتة بسبب هذاياناتك وذكرك آلهتنا بالسوء، ودخلك على أفعالنا مع أموالنا { وَ } أعلم يقيناً إنك بنفسك { مَآ أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ } [هود: 91] بل عزتك عندنا بسبب رهطك لكونهم إخواننا في الدين، فلا نريد أذاهم بقتلك، وإلا فلا نبالِ بك وبرحمتك.