التفاسير

< >
عرض

وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ إِنَّهُ رَبِّيۤ أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ
٢٣
وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوۤءَ وَٱلْفَحْشَآءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ
٢٤
وَٱسْتَبَقَا ٱلْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى ٱلْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوۤءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٢٥
-يوسف

تفسير الجيلاني

{ وَ } اذكر يا أكمل الرسل اتقاء يوسف الصديق من الله وقت اشتعال نار الشهوة في عنفوان الشباب، حين { رَاوَدَتْهُ } أي: خادعته وألحت عليه بالوقاع { ٱلَّتِي } أي: الأمرأة التي { هُوَ } اي: يوسف { فِي بَيْتِهَا } وهي سيدته له حاكمة عليه، وهي زليخا امرأة العزيز واحتالت عليه أن يخرجه { عَن } نزاهة { نَّفْسِهِ } ونجابة فطرته، وهي العصمة والعفاف إلى ما تهوى نفسها وهو الوقاع والسفاح { وَ } بالغتت في ذلك المكر والاحتيال إلى أن { غَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ } السبعة يوماً عليه وخلت معه في بيته { وَقَالَتْ } متحننة عليه معرضة نفسها إليه: { هَيْتَ لَكَ } أي: بادر يا يوسف إلى التعانق والجمع معي { قَالَ } يوسف على مقتضى نجابة النبوة وطهارة الفطرة بإلهام الله إياه مع سورة شهوته ووفور أمن ميله؛ اتقاءً من محارم الله ورعاية لحق من أحسن إليه: { مَعَاذَ ٱللَّهِ } أي: أعوذ بالله معاذاً وألوذ نحوه أن يعصمني عن أمثال هذه الغفلة الذميمة والديدنة القبيحة سيما مع من يربيني { إِنَّهُ } أي: زوجك سيدي { رَبِّيۤ } يربيني بأنواع اللطف والكرم، سيما { أَحْسَنَ مَثْوَايَ } وأوصى لك بإحساني، فكيف أسيء في مقابلة إحسان محسني، ومولي أمري ومولي نعمي { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ } ويفوز { ٱلظَّالِمُونَ } [يوسف: 23] بالخير والحسنى، لو خرجوا من مقتضى الأمر الإلهي، سيما بالإساءة في معاملة الإحسان.
{ وَ } بعدما رد يوسف عليها أمرها { لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ } أي: قصدت زليخا وتعلقت به إرادة واختياراً لتصل إلى مرادها منه { وَهَمَّ } يوسف أيضاً { بِهَا } على مقتضى بشريته مع أنه لا إرادة له لمرادها ولا اختيار؛ إذا الكف عن المنهي لا بدَّ وأن يكون عند القدرة عليه وإلا لم يكن ممدوحاً ولا مستوجباً للمثوبة والقربة { لَوْلاۤ أَن } أي: أنه { رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ } أي: دليله الواضح الدال على قبح الزنا وإساءة المسحن بإقاء الله إياه وإلهامه في قلبه، لهلك بنيران طغيان القوة الشهوية، لكن رآه بإراءة الله إياه، فأبى وامتنع { كَذَلِكَ } فعلنا معه وألهمنا إليه { لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوۤءَ وَٱلْفَحْشَآءَ } في مقابلة الإحسان والفحشاء بدل العصمة والعفاف { إِنَّهُ } إي: يوسف الصديق { مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ } [يوسف: 24] الخالصين عن رين البشرية وشين شهوتها وغضبيتها، المنزهين عن مقتضيات القوى مطلقاً.
وبعدما غلب على يوسف الاتقاء عن محارم الله على مقتضى البرهان الذي رأه بإراءة الله إياه، بادر إلى الفرار منها، وقصد أن يخرج وقصدت أيضاً أن تمنعه عن الخروج { وَٱسْتَبَقَا ٱلْبَابَ } أي: تسابقاً نحوه يسبقها يوسف فأخذت ذيل قيمصه { وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ } أي: شقت ذيله { مِن دُبُرٍ } لأنها في عقبه، ففتح يوسف الباب، فخرجا متعاقبين مضطرين { وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا } أي: صادفا زوجها { لَدَى ٱلْبَابِ } وعنده { قَالَتْ } مسرعة باكية على سبيل الشكاية: { مَا جَزَآءُ } أي: أي شيء مكافأة { مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوۤءًا } أي: قصد الزنا معها مكرهاً { إِلاَّ أَن يُسْجَنَ } أي: غير أن يقيد ويدخل في السجن { أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [يوسف: 25] مؤلم أشد من السجن.
وإنما فعلتها وبادرت إلى الشكوى متباكية؛ لتظهر براءتها وعصمتها عند زوجها وتحمل الخطأ على يوسف؛ لتنتقم عنه أو تلينه وتضطره على نجاح مرادها، مع أنها قد شغفها حباً ولم تصبر عنه لحظة.