التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ ٱلَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَٱدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ
٤٥
يُوسُفُ أَيُّهَا ٱلصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّيۤ أَرْجِعُ إِلَى ٱلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ
٤٦
قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ
٤٧
ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ
٤٨
ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ ٱلنَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ
٤٩
-يوسف

تفسير الجيلاني

{ وَ } بعدما عجز الملأ عن تعبير رؤيا الملك، واجتمعوا على أنها أضغاث أحلام { قَالَ ٱلَّذِي نَجَا مِنْهُمَا } أي: من صاحبي السجن، وهو الشرابي الموصى له بالذكر فنسي { وَٱدَّكَرَ } بهذا التقريب ما أوصى أنه يوسف { بَعْدَ أُمَّةٍ } أي: بعد مديدة { أَنَاْ أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ } [يوسف: 45] فأرسله الملك ودخل عليه، فقال: يا { يُوسُفُ أَيُّهَا ٱلصِّدِّيقُ } الصدوق في تأويل الرؤيا { أَفْتِنَا } وعبر لنا { فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ } ملتفتةً إلى سبعٍ أخر { وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ } عبر لي هذه الرؤيا { لَّعَلِّيۤ أَرْجِعُ } بتأويلها { إِلَى ٱلنَّاسِ } الذين عجزوا عن تعبيره وصيروه من الأباطيل والتخليطات الساقطة عن درجة التغيير والتأويل { لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ } [يوسف: 46] تأويله ويفحمون عما يقولون؛ إذ الرؤيا للملك، وهم جعلوها من قبيل الأضغاث، وأنت إذا عيرتها أرجو أن تتخلص من هذا السجن.
{ قَالَ } يوسف مؤولاً للرؤيا مدبراً فيه طريق المعاش؛ لئلا يضطروا في تدبيره: { تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ دَأَباً } على ما هو دأبكم وعادتككم { فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ } واتركوه { فِي سُنبُلِهِ } أي: فعليكم أن تدخروا ما حصدتم في سني الخصب بأن تتركوه في سنبله ولا تفرقوه منه ولا يدوسوه؛ لئلا يقع فيه السوس { إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ } [يوسف: 47] في تلك المدة.
{ ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذٰلِكَ } أي: بعد انقضاء سني الخصب والرخاء { سَبْعٌ شِدَادٌ } ذوي جدب وعناء، لا ينبت فيها الزرع وفي تلك المدة { يَأْكُلْنَ } أي: أهلها جميع { مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ } وادخرتم لهن في سني الخصب { إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ } [يوسف: 48] أي: تحرزونه وتحفظونه للبذر.
{ ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذٰلِكَ } أي: بعد انقضاء السبع الشداد { عَامٌ } ذو بركة ورخاء { فِيهِ يُغَاثُ } ويمطر { ٱلنَّاسُ } بعدما مُنعوا القطر مدة مديدة { وَ } صار الناس من كمال الخصب { فِيهِ يَعْصِرُونَ } [يوسف: 49] الأدم من العنب والخرنوب وأنواع الحبوب.
كل ما جاء به يوسف عليه السلام من التأويل والتدبير مستند إلى الوحي والإلهام والعلم بدقائق المناسبات الواقعة بين ذرائر الأكوان.