التفاسير

< >
عرض

وَجَآءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ
٥٨
وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ٱئْتُونِي بِأَخٍ لَّكُمْ مِّنْ أَبِيكُمْ أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّيۤ أُوفِي ٱلْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ ٱلْمُنْزِلِينَ
٥٩
فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ
٦٠
قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ
٦١
وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ ٱجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَآ إِذَا ٱنْقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
٦٢
-يوسف

تفسير الجيلاني

{ وَ } حين استوزر الملك يوسف عليه السلام وأقامه في ضبط الممالك وقيام أمور الناس من التدبيرات المتعلقة بأمور معاشهم من تكثير الغلات والزراعات حتى دخلت السنون المجدبة، وكانت البيونات والمغلات مملوءة بأنواع الحبوبات، ثم لما أحاط الجدب جميع بلاد المصر والشام وعم البلوى في جميع الأماكن والجهات، اضطر الناس إلى أن يلتجئوا إلى باب العزيز؛ ليستغلوا منه ويسدوا رمقهم؛ لذلك { جَآءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ } من الكنعان ليستغلوا { فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ } بأجمعهم { فَعَرَفَهُمْ } بالفور، وسألهم عن الوطن والمصلحة، فقالوا: نحن أولاد يعقوب جُدبنا الآن، واضطررنا إلى أن جئنا نستقوت من جاه العزيز ولا يحصل من الغير مطلقاً.
ثم قال هم يوسف: أنتم بأجمعكم أبناء رجل واحد؟ قالوا: نعم إن لأبينا اثني عشر ابناً، عشرة من زوجة وأثنان من زوجة أخرى، ونحن تلك العشرة وواحد من الاثنين، قد هلك في الصحراء، والآخر عند أبينا يؤانس معه ويدفع به وحشة أبنه؛ إذ هو محبوب له مرغوب عنده { وَهُمْ } مع طول صحبتهم معه ومجالسته عنده { لَهُ مُنكِرُونَ } [يوسف: 58] لا يتفقهون ولا ينتبهون فكيف يعرفونه.
{ وَلَمَّا جَهَّزَهُم } الخدام بإذن العزيز { بِجَهَازِهِمْ } وهيأوا أرحالهم فأرادوا أن يشدوا، دخلوا على العزيز للتوديع { قَالَ } لهم العزيز: { ٱئْتُونِي بِأَخٍ لَّكُمْ مِّنْ أَبِيكُمْ } ليدل على صدقكم ونجابة أصلكم { أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّيۤ أُوفِي ٱلْكَيْلَ } وأتمه لكم { وَأَنَاْ خَيْرُ ٱلْمُنْزِلِينَ } [يوسف: 59] أحسن ضيافتكم مثل ما أحسنت.
{ فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ } أي: بأخيكم بنيامين { فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي } أي: فاعلموا ألاَّ كيل لكم عندي بعد اليوم { وَلاَ تَقْرَبُونِ } [يوسف: 60] ولا تدخلوا داري، إذ أنتم حنيئذٍ قوم كاذبون.
وبعدما سمعوا منه كلاماً موحشاً، وتفرسوا أنهم لو لم يأتوا بأخيهم لما اكتال لهم العزيز ولم ينزلهم، فكيف أن يحسن معهم ويضيفهم؟ { قَالُواْ } له معتذرين: إن له أباّ شيخاً كبيراً، محزوناً، آسفاً يتسلى به { سَنُرَاوِدُ } ونجتهد مقدار طاقتنا { عَنْهُ أَبَاهُ } ونخدع به بأنواع الخدع حتى نأتي { وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ } [يوسف: 61] ألبتة وجوهاً من الخداع لإتيانه.
{ وَ } بعدما هيأا للسفر وأرادوا أن يرحلوا { قَالَ } يوسف { لِفِتْيَانِهِ } أي: خدامه وأعوانه: { ٱجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ } التي أتوا بها وهي الأدم والنعال في رحالهم على وجه لا يشعرونها { لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَآ } وقت { إِذَا ٱنْقَلَبُوۤاْ } ورجعوا { إِلَىٰ أَهْلِهِمْ } وبعد رؤيتهم البضاعة آيسوا { لَعَلَّهُمْ } بعد ذلك { يَرْجِعُونَ } [يوسف: 62] بأخيهم لو رجعوا.