التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ يٰبَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَٱدْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَآ أُغْنِي عَنكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ
٦٧
وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
٦٨
وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىۤ إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّيۤ أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٦٩
-يوسف

تفسير الجيلاني

{ وَقَالَ يٰبَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ } على البلدة { مِن بَابٍ وَاحِدٍ } مجتمعين { وَٱدْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ } فرادى، حتى لا تتضرروا من العيون اللامة { وَ } اعلموا أني { مَآ أُغْنِي } وأدفع بقولي لكم هذا { عَنكُمْ مِّنَ } قضاء { ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ ٱلْحُكْمُ } أي: ما الحكم والأمر { إِلاَّ للَّهِ عَلَيْهِ } لا على غيره من الأظلال { تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ } في كل الامور { فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ } [يوسف: 67] إذ لا رجوع للكل إلا إليه.
{ وَلَمَّا دَخَلُواْ } مصر { مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم } متفرقين من أبواب متعدد { مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ } ويدفع تدبير أبيهم { مِّنَ } قضاء { ٱللَّهِ } الذي قدر لهم { مِن شَيْءٍ } إذ الأمر والقضاء لله ولا معقب لحكمه { إِلاَّ } يعني: سوى ما كان { حَاجَةً } تختلج { فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا } بالوصية لأبنائه تفاؤلاً وتفريجاً { وَإِنَّهُ } أي: يعقوب عليه السلام { لَذُو عِلْمٍ } كامل مفاض له من لدنا، متعلق بما لا مرد لقضائنا، لذلك قال: وما أغني عنكم من الله من شيء، { لِّمَا عَلَّمْنَاهُ } بطريق الوحي والإلهام إياه { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ } المجبولين على الجهل والنسيان { لاَ يَعْلَمُونَ } [يوسف: 68] أن قضاءنا لا يرد، وأن الحذر لا يغني عن القدر؛ لذلك أصاب بهم ما خفوا عنه.
{ وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ } مع بنيامين، أضافهم وأجلس كل اثنين منهم على سماطٍ، فبقي بنيامين وحيداً، فبكى وتأوى متحسراً، وقال: ألو كان أخي يوسف حياً لما بقيت وحيداً، ولما رأى يوسف حنينه وبكاءه { آوَىۤ إِلَيْهِ أَخَاهُ } ورجع نحوه وضم نفسه إلى نفسه، وأجسله على سماطه، ثم أمر يوسف أن ينزولهم كل أثنين بمنزل احد، فبقي بنيامين لا ثاني له، فاغتم حينئذٍ أشد اغتمام، فذهب به يوسف إلى منزله، فقال له: أتحب أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك؟ قال: فمن يجد مثلك أخاً، غير أنك لم يلدك يعقوب ولا راحيل.
ثم لما رأى يوسف زيادة همه وحزنه وكثرة تأسفه وغمه { قَالَ } لا تحزن ولا تغتم { إِنِّيۤ } بشخصي { أَنَاْ أَخُوكَ } يوسف بن يعقوب وراحيل، قد احتال عليَّ اخوتك وخادعوني بأنواع الحيل والخداع إلى أن فرقوا بيني وبينك وبين أبي مدة مديدة حسداً، فأنقذني الله عن مكرهم وكيدهم، وخلصني عن قيد الرقية والسجن وأنواع المحن ورفع قدري ومكانتي وشرفني برؤيتك، وأعطاني من المكرمات ما لا يحصى { فَلاَ تَبْتَئِسْ } ولا تحزن يا أخي { بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [يوسف: 59] معي ومعك من أنواع الصغار والهوان وأصناف الأذيات.
ثم لما قرت عينا بنيامين بوجه يوسف وسر قلبه لقياه بعدما آيس وقنط، قال: يا أخي لا أفارقك أبداً، قال يوسف؛ لا يتيسر هذا إلا بعد أن أتهمك بتهمة، فأخذك لأجلها إن رضيت، قال: رضيت بأي تهمة اتهمتني بها.