التفاسير

< >
عرض

لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ
٧
إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ
٨
ٱقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ ٱطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ
٩
قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ ٱلسَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ
١٠
قَالُواْ يَٰأَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ
١١
أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ
١٢
-يوسف

تفسير الجيلاني

واعلم يا أكمل الرسل أنه { لَّقَدْ كَانَ فِي } قصة { يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ } وما جرى بينهم من الحيل والمخادعات وإسقاط المروءة والخيانات، والإنابة والرجوع منها إلى الله في الخلويات، وإظهار العدم والاستحياء من الله، ومنه يوسف وأبيه { آيَاتٌ } دلائل واضحات، وشواهد مفصحات عن أسرار التوحيد { لِّلسَّائِلِينَ } [يوسف: 7] لو تأملوا في رموزها وإشاراتها واعتبروا منها.
اذكر لهم يا أكمل الرسل: { إِذْ قَالُواْ } أي: إخوة يوسف حين بثوا الشكوى من أبيهم في خلواتهم، حاسدين على يوسف أخيهم: { لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ } بنيامين، أضافره لكونه من أمه { أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا } يؤانس معهما ويتحنن إليهما { وَنَحْنُ عُصْبَةٌ } فرقة ذوو قوة وكفاية تستحق وتليق أن يحبنا ويلتفت إليها، وبالجملة: { إِنَّ أَبَانَا } في تفضيل المفضول وترجيح المرجوح { لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [يوسف: 8] ظاهر المخالفة للعقل والعرف.
فعليكم أيها الإخوان أن تتأملوا في أمر أبيكم، وتتشاوروا لمقت يوسف وهلاكه حتى لا يحلق العار عليكم { ٱقْتُلُواْ يُوسُفَ } حتى ييأتس أبوكم منه ويقبل إليكم بالكلية { أَوِ ٱطْرَحُوهُ أَرْضاً } بعيدة عن العمران غاية البعد حتى ينساه أبوه، وحينئذ { يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ } أي: يخص ويخلص لكم مواجهة أبيكم خالياً عن أغياركم، ويقتصر حينئذ التفاته وتحننه نحوكم { وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ } أي: بعد فقد يوسف عن نظر أبيكم وغيبته من عنه { قَوْماً صَالِحِينَ } [يوسف: 9] لخدمته وصحبته ومؤانسته، أو المعنى بأن تتوبوا بعدما صدر عنكم هذه الجريمة، ولتكونوا من بعده قوماً صالحين تائبين.
وبعدما تشاوروا في مقت يوسف وطرحه وطرده { قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ } وهو يهوذا وكان أ؛سنهم رأياً" { لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ } إذ نحن من عترة الأنبياء، لا يليق بنا قتله بلا رخصة شرعية { وَ } إن أردتم أن تدفعوه من عند أبيكم { أَلْقُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلْجُبِّ } الذي على متن الطريق { يَلْتَقِطْهُ } أي: يأخذه ويذهب { بَعْضُ ٱلسَّيَّارَةِ } أي: بعض السائرين في أقطر الأرض، الواردين على الماء، فلا طريق لكم لطرده وطرحه سوى هذا { إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ } [يوسف: 10] قاصدين جازمين أن تفعلوا معه ما يبعده عن وجه أبيه.
وبعدما سمعوا من يهوذا ما سمعوا واستقرار رأيهم على رأيه، فأخذوه يحتالون ويمكرون لينالوا ما قصدوا، فاجتمعوا يوماً عند أبيهم تحنناً عليه وتواضعاً { قَالُواْ } له على سبيل الشكوى وإظهار الحزن: { يَٰأَبَانَا } نحن بنوك وخادموك، ويوسف أخونا وقرة عيننا وقوة ظهرنا { مَا لَكَ } أي شيء من السوء منا عرض لك ووصل إليك { لاَ تَأْمَنَّا } أي: لا تجعلنا أمناء مشفقين { عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا } في أنفسنا { لَهُ لَنَاصِحُونَ } [يوسف: 11] مشفقون حافظون مريدون الخير له.
ثم لما تفرسوا بأن أثَّر كلامهم في أبيهم، ولاح منه أمارات الرضا والتسليم، أخذوا في المكر حيث قالوا متضرعين إليه متحنين نحوه: { أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً } نخرج إلى الصحراء مستنشقين { يَرْتَعْ } ويتفكه من أنواع الفواكه { وَيَلْعَبْ } بأنواع اللعب من الاستباق والانتضال؛ تفريجاً له وتفريحاً للقلب { وَ } لا تخف من أن يلحقه مكروه { إِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [يوسف: 12] يجمعنا من المكروهات.