التفاسير

< >
عرض

وَفِي ٱلأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلأُكُلِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
٤
وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَـٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ
٥
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلسَّيِّئَةِ قَبْلَ ٱلْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ ٱلْمَثُلاَتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ ٱلْعِقَابِ
٦
-الرعد

تفسير الجيلاني

{ وَ } أيضاً من بدائع قدرته وغرائب حكمته أنه حصل { فِي ٱلأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ } متماثلة في الطبيعة والمزاج { وَ } حصلت في بعضها { جَنَّاتٌ } وبساتين { مِّنْ أَعْنَابٍ وَ } في بعضها { زَرْعٌ وَ } في البعض { نَخِيلٌ } مختلفة أنواعها بعضها { صِنْوَانٌ } أي: نخلات متكثرة، أصلها واحد { وَغَيْرُ صِنْوَانٍ } أي: مترفقات الأصولا مع أنها كلها { يُسْقَىٰ بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَ } مع وحدة طبيعة الأرض والماء { نُفَضِّلُ بَعْضَهَا } أي: بعض الثمرات { عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلأُكُلِ } لأن بعضها ضار وبعضها نافع، وبعضها حلو وبعضها حامض، إلى غير ذلك من التفاوت والاختلافات { إِنَّ فِي ذٰلِكَ } الاختلاف مع وحدة طبيعة القابل { لآيَاتٍ } عظام ودلائل جسام على حكمة الصانع الحكيم ومتانة فعله { لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } [ارعد: 4] ويستعملون عقولهم في التفكير يمصنوعات الحق والتدبير بمبدعاته ومخترعاته.
{ وَإِن تَعْجَبْ } يا أكمل الرسل إنكار الكفار حشر الأجساد مع وضوح دلائله وسطوع براهنيه { فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ } أي: فعليك أن تتعجب من قولهم - هذا حال كونهم مستفهمين مستبعدين على سبيل التعجب - أننا { أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً } وعظاماً رفاتاً { أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } كلا وحاشا أن نعود أجساما إنساناً بعدما صرنا كذلك { أُوْلَـٰئِكَ } البعداء المعزولون عن منهج الرشاد هم { الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ } الذين أوجدهم وأظهرهم من كتم العدم بلا سبق مادة ومدة، ورباهم بأنواع التربية مع أن إعادتهم أيسر من إبدائهم وإبداعهم { وَأُوْلَئِكَ } الضالون المقيدون بسلاسل الطبيعة في النشأة الأولى صار { ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ } في النشأة الأخرى، دائماً مستمراً { وَ } بالجملة: { أُوْلَـٰئِكَ } الأشقياء المردودون { أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ } [الرعد: 5] أبد الآباد.
{ وَ } من قبح صنيعهمه ونهاية غفلتهم عن الله انتقامه وغيرته { يَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلسَّيِّئَةِ } المهددة بها والموعودة عليها، أي: يطلبون منك يا أكمل الرسل استعجال إتيانها استهزاءً واستنكاراً { قَبْلَ ٱلْحَسَنَةِ } الموعودة لهم على تقدير إيمانهم { وَ } الحال أنه { قَدْ خَلَتْ } ومضت { مِن قَبْلِهِمُ } على أمثالهم من الأمم الهالكة { ٱلْمَثُلاَتُ } أي: القصاصات والعقوبات التي صاتر أمثالاً يضرب بها، وحالهم يحفي مؤنة استعجالهم واستهزائهم لو تأملوا { وَ } هم من غاية إصرارهم وكفرهم وإن استحقوا ما يستعجلونه على أقبح الوجوه، لكن أمهلهم الله الحكيم العليم زماناً بمقتضى جوده { إِنَّ رَبَّكَ } الحليم الرحيم { لَذُو مَغْفِرَةٍ } سترٍ وعفو { لِّلنَّاسِ } المنهمكين في الغفلة والنسيان { عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ } أي: مع ظمهم على أنفسهم باستجلاب عذاب الله إياها { وَإِنَّ رَبَّكَ } أيضاً على مقتضى عدله وقهره { لَشَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } [الرعد: 6] وسريع الحساب على من خرج من ربقة إطاعته استكباراً واستنكافاً.