التفاسير

< >
عرض

وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاۤ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ
٧
ٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ ٱلأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ
٨
عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ ٱلْكَبِيرُ ٱلْمُتَعَالِ
٩
سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ ٱلْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِٱلَّيلِ وَسَارِبٌ بِٱلنَّهَارِ
١٠
لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوْمٍ سُوۤءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ
١١
-الرعد

تفسير الجيلاني

{ وَ } من شدة شيكمتهم وغيظهم معك يا أكمل الرسل { يَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بك وبدينك وبكتابك { لَوْلاۤ } أي: هلا { أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ } اقترحناه بها { مِّن رَّبِّهِ } إن كان نبياً مثل الأنبياء الماضين، لا تبال يا أكمل الرسل بهم وبكفرهم وقولهم هذا { إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ } مخبر بما جئت به من عند ربك، لا مهد مصلح، وإنما عليك البلاغ { وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } [الرعد: 7] وهو الله سبحانه، وإن تعلق إرادته بهدايتهم يهديهم؛ إذ هو عالم بسرائرهم وضمائرهم، وما جرى عليهم وما يؤول أمرهم إليه.
{ ٱللَّهُ يَعْلَمُ } بعلمه الحضوري { مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ } من النطفة المصبوبة { وَمَا تَغِيضُ ٱلأَرْحَامُ } أي: تنقصها منها وفقاً لفضلائها { وَمَا تَزْدَادُ } عليها لتنميتها وتصويرها { وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ } [الرعد: 8] أي: حصول كل كائن عنده إنما هو بمقدار مخصوص من مادة معينة ومدة مقررة، لا ينقص منها ولا يزيد عليها.
والإطلاع عليها وعلى كيفيتها وكمياتها مما استأثر الله به في غيبه؛ إذ هو بذاته سبحانه { عَالِمُ ٱلْغَيْبِ } أي: الذي غاب عنا أنيته ولميته { وَٱلشَّهَادَةِ } أي: التي خفي علينا لميته، وكيف لا يعلم الغيب والشهادة؛ إذ هو { ٱلْكَبِيرُ } بذاته { ٱلْمُتَعَالِ } [الرعد: 9] أي: المنزه في صفاته عن الاتصاف بصفات كلا العالمين ولوازمهما.
وإن كان كل منها من أظلال أوصافه الذاتية وأسمائه الحسنى { سَوَآءٌ } عنده سبحانه في حيطة حضرة علمه المتعلق بأحوال المكونات { مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ ٱلْقَوْلَ } وأخفاء وأضمره في نفسه { وَمَنْ جَهَرَ بِهِ } وأظهره { وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ } أي: مستتر متغط { بِٱلَّيلِ } ومن هو { وَسَارِبٌ } بارز ظاهر { بِٱلنَّهَارِ } [الرعد: 10] أي: لا يشغله سبحانه شأن عن شأن، ولا يحجب عليه الأستار والسدول، ولا يعين عليه البروز والظهور؛ إذ لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
إذ { لَهُ } سبحانه بالنسبة إلى كل شيء من الأشياء حتى الذرة والخطرة والطرفة واللمحة { مُعَقِّبَاتٌ } من الأوصاف الإلهية مسميات بالملائكة يعقبن عليها متواليات متتاليات محيطات { مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ } عملا لا يعنيه وينافره ويؤذيه، وما هو إلا { مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ } إياهم وتعلق إرادته ومشيئته لحصانته وحفظه على مقتضى لطفه وجماله { إِنَّ ٱللَّهَ } المدبر لأمور عباده، المصلح لأحوالهم { لاَ يُغَيِّرُ } ولا يبدل { مَا بِقَوْمٍ } من النعمة والعافية والرفاهية والفرح والسرور { حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ } ويبدلوا { مَا بِأَنْفُسِهِمْ } من محاسن الأخلاق ومحامد الأوصاف إلى المعالج والمذائم بترك أوامر الله وارتكاب نواهيه { وَ } بالجملة: { إِذَا أَرَادَ ٱللَّهُ } المطلع لسرائر عباده واستعداداتهم { بِقَوْمٍ سُوۤءًا } ناشئاً من خباثة طينتهم { فَلاَ مَرَدَّ لَهُ } أي: لا يمكن لأحد من خلقه رد إرادته { وَ } كيف يرد مراده سبحانه؛ إذ { مَا لَهُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ } [الرعد: 11] يولي أمورهم ويرجعون إليه في الوقائع والخطوب.