التفاسير

< >
عرض

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَّنَعَ مَسَاجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَآ أُوْلَـٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلاَّ خَآئِفِينَ لَّهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ
١١٤
وَللَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
١١٥
وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً سُبْحَـٰنَهُ بَل لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ
١١٦
بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ
١١٧
-البقرة

تفسير الجيلاني

{ وَمَنْ } على الله المظهر للعباد ليعرفوه، ويتوجهوا نحوه في الأمكنة المعدة للتوجه { أَظْلَمُ مِمَّنْ مَّنَعَ مَسَاجِدَ ٱللَّهِ } الموضوعة { أَن يُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ } أي: يذكر فيها أساؤه، والمؤمنون الموقنون بأسمائه الحسنى { وَ } مع المنع { سَعَىٰ فِي خَرَابِهَآ } ليستأصلها ويخرجها عما يعدله { أُوْلَـٰئِكَ } المشركون { مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ } لنجاستهم وخباثتهم، وإن دخلوها لحاجة أحياناً لا بد لهم أن يدخلوها { إِلاَّ خَآئِفِينَ } خاضعين متذللين مستوحشين، بحيث لم يتوجهوا يمنةً ويسرةً استحياء من الله، بل منكوسين رءوسهم على الأرض إلى أن يخرجوا، قل يا أكمل الرسل نيابة عنا: { لَّهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ } [البقرة: 114] حرمان عن الكمال الإنساني يكفرهم وظلمهم.
{ وَ } قل للمؤمنين يا أكمل الرسل تسلية لهم: لا تغتموا على منعهم منا وسعيهم في تخريبها، ولا تحصروا توجهكم إلى الله في الأمكنة المخصوصة، بل { للَّهِ } المتجلي في الآفاق { ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ } فهما كنايتان عن طرفي العالم { فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ } توجهوا نحوه { فَثَمَّ وَجْهُ ٱللَّهِ } أي: ذاته؛ إذهو منتهى الجهات محيط بها { إِنَّ ٱللَّهَ وَاسِعٌ } أجل من أن تحيط به القلوب إلا من وسعه الله بلطفه كما أخبر سبحانه بقوله: "لا يسعني أرضي ولا سمائي بل يسعني قلب عبدي المؤمن" { عَلِيمٌ } [البقرة: 115] لا يغيب عن علمه شيء، وحيث اتجهتم نحوه علمه قبل توجهكم، بل توجهكم عين توجهه فلا يتوجه إليه إلا هو، لا إله إلا هو، كل شيء هالك إلا وجهه.
ومن غاية جهلهم بالله الواسع العليم الذي لا يسعه الأرض والسماء
{ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ } [البقرة: 255] حصروه سبحانه في شخص وتخيلوه جسماً، وأثبتوا له لوازم الأجسام { وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً } قتل وإجلاء وسبي وذلة { وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } كعيسى وعزير عليهما السلام { سُبْحَـٰنَهُ } وتعالى، عز الصمد الذين شأنه { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } [الإخلاص: 3-4] أن يتخذ صاحبة وولداً { بَل لَّهُ } مظاهر { مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَ } مظاهر { ٱلأَرْضِ } ليظهر عليها ويتجلى لها؛ إظهاراً لكمالاتها المترتبة على صفاته المندرجة في ذاته ونسبته تعالى إلى جميع المظاهر في التكوين والخلق على السوى من غير تفاوت، وعيسى وعزير - عليهما السلام - أيضاً من جملة المظاهر، ومرجع جميع المظان إلى الظاهر؛ إذ { كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ } [البقرة: 116] خاضعون منقادون مقرون على ما هم عليه قبل ظهورهم من العدم مقرون بأنه:
{ بَدِيعُ } مبدع { ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } من العدم بلا سبق مادةٍ وزمانٍ { وَ } من بدائع إبداعه أنه { إِذَا قَضَىٰ } أراد أن يوجد { أَمْراً } مما في خزائن علمه ولوحه المحفوظ وكتابه المبين { فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ } إمضاءً لحكمه ونفاذاً لإرادته { كُنْ فَيَكُونُ } [البقرة: 117] بلا تراخٍ ولا مهلةٍ، بحيث لا يسع التعقيب أيضا إلا لضيق التعبير، والألفاظ بمعزل عن أداء سرعة نفوذ القضاء.