التفاسير

< >
عرض

يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٢٠
يَٰـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
٢١
ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ فِرَٰشاً وَٱلسَّمَاءَ بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ
٢٢
-البقرة

تفسير الجيلاني

{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ } أي: برق التجلي اللطفي { يَخْطَفُ } يعمي { أَبْصَٰرَهُمْ } التي يرون بها أنفسهم ذوات موجودات فاضلات به { كُلَّمَا أَضَآءَ } وأشرق { لَهُمْ } التجلي اللطفي { مَّشَوْاْ } ساروا { فِيهِ } باقين ببقائه { وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ } بالتجلي القهري { قَامُواْ } سكنوا على ما هم عليه من عدم الصرف { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ } التجلي عليهم بالقهر دائماً { لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ } أي: بتعيناتهم التي ظنوا أنهم موجودات حقيقية بسببها، وصيرهم فانين معدومين لا وجود لهم أصلاً، كما هم عليه دائماً، قل لهم يا أكمل الرسل بلسان الجمع: { إِنَّ ٱللَّهَ } المتجلي بالتجلي اللطفي { عَلَىٰ } إبقاء { كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [البقرة: 20] على إفنائه بالتجلي القهري؛ إذ لا يجري في ملكه إلا ما يشاء، ثم نبه تعالى على كيفية رجوعهم إليه وتنبههم على تجلياته، فناداهم إشفاقاً لهم وامتناناً عليهم ليقبلوا إليه فقال:
{ يَٰـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ } الذين نسوا حقوق الله بمتابعة آبائكم { ٱعْبُدُواْ } تذللوا وتفزعوا وانقادوا { رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ } أخرجكم وأظهركم من كتم العدم بإشراق تجلياته اللطيفة إلى فضاء الوجود { وَ } أيضاً أخرج آباءكم { ٱلَّذِينَ } مضوا { مِن قَبْلِكُمْ } إن عبدتم كما ذكر { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [البقرة: 21] تحذرون من تجلياته القهرية، فهو في بدء الوجود في المعاني اعبدوا ربكم:
{ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ فِرَٰشاً } مبسوطاً؛ لتستقروا عليها وتسترزقوا منها { وَٱلسَّمَاءَ بِنَآءً } مرفوعاً؛ لترتقي الأبخرة والأدخنة والمتصاعدة إليهم وتتراكم السحب فيها { وَ } بعد وجود هذه الأسباب { أَنزَلَ } بمحض فضله وفيضه { مِنَ } جانب { ٱلسَّمَآءِ مَآءً } منبتاً لكم الزروع والأثمار المقومة لمزاجكم وإذا أنزل { فَأَخْرَجَ بِهِ } سبحانه؛ أي: بسبب الماء { مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزْقاً لَّكُمْ } أي: أخرج رزقاً لكم من الثمرات والطعوم؛ لتعيشوا بها وتقدروا إلى التوجه إلى توحيده وتفريده الذي هو غاية إيجادكم وخلقكم وما يترتب على وجودكم، وإذا كان كذلك { فَلاَ تَجْعَلُواْ } أيها المنعمون بانتزاع النعم { للَّهِ } الواحد القهار لجميع الأغيار { أَندَاداً } أمثالاً في استحقاق العبادة والإيجاد والتكوين والترزيق والإنبات والإضاء وغير ذلك مما يتعلق بالألوهية { وَأَنْتُمْ } إن وصلتم إلى مرتبة التوحيد الذي { تَعْلَمُونَ } [البقرة: 22] أن سلسلة الأسباب منتهية إليه سبحانه، ولا موجود إلا هو، بل لا موجود إلا هو
{ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ } [الأنعام: 59] والتحقيق بهذا المقام والوصول إلى هذا المرام لا يحصل إلا بعد التخلق بأخلاق الله، والتخلق بأخلاقه لا يتيسر إلا بمتابعة المتخلق الكامل، وأكمل المتخلفين نبينا صلى الله عليه وسلم، والمتخلق بخلقه صلى الله عليه وسلم إنما يكون بالكتاب الجامع لجميع أخلاق الله، المنزل على مرتبته، الجامع جميع مراتب المظان، وفي نسخة أخرى: المظاهر.