التفاسير

< >
عرض

قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ
١
ٱلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ
٢
وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ
٣
وَٱلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَـاةِ فَاعِلُونَ
٤
وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ
٥
إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ
٦
فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَآءَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ
٧
وَٱلَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ
٨
وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ
٩
أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْوَارِثُونَ
١٠
ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
١١
-المؤمنون

تفسير الجيلاني

{ قَدْ أَفْلَحَ } وفاز بمرتبة حق اليقين التي هي أعلى مراتب التوحيد، ومنتهى السلوك ومنقطع الطلب والعرفان { ٱلْمُؤْمِنُونَ } [المؤمنون: 1] الراسخون في اليقين العلمي، الجازمون الثابتون فيه بلا تزلزلٍ وتلوينٍ.
{ ٱلَّذِينَ هُمْ } من كمال رسوخهم وشدة تمكنهم وجزمهم { فِي صَلاَتِهِمْ } التي هي معراجهم للوصول إلى مرتبة الرضا والقبول { خَاشِعُونَ } [المؤمنون:2] مخبتون متضرعون متحننون نح الحق عن ظهر القلب، وجميع الجوارح والأركان بلا تلعثم وعثور. { وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ } المشغل لهم عن التوجه نحو الحق { مُّعْرِضُونَ } [المؤمنون: 3] منصرفون إعراضهم وانصرافهم عما تستكرهه نفوسهم وقلوبهم.
{ وَٱلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَـاةِ } المطهرة لنفوسهم عن الميل نحو حطام الدينا ومتاعها الفانية { فَاعِلُونَ } [المؤمنون: 4] تمريناً لنفوسهم على ترك الميل و الالتفات إليها.
{ وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ } التي هي مواريث بهيميتهم، وأقوى قوائم بشريتهم { حَافِظُونَ } [المؤمنون: 5] ناكثون عن مقتضاهها، راكنون عما أملها وتهويلها.
{ إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } من الإماء والسواري حفظاً لحكمة إبقاء النوع، ومصلحة التناسل { فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } [المؤمون: 6] على ذلك إن فعلوا بلا مبالغة مفرطة زائدة عن قدر الحاجة.
{ فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَآءَ ذٰلِكَ } وطلب التجاوز والتعدي عن قدر الحاجة من الحلائل المذكورة { فَأُوْلَـٰئِكَ } البعداء الخارجون عن مقتضى الحد الإلهي، والحكمة المتقنة { هُمُ ٱلْعَادُونَ } [المؤمنون: 7] المقصورون على التجاوز والعدوان لا يرجى منهم الفلاح والفوز بالنجاح.
{ وَٱلَّذِينَ هُمْ } من كمال عدالتهم وقسطهم الفطري واعتدال أوصافهم وأخلاقهم الصورية والمعنوية { لأَمَانَاتِهِمْ } التي ائتمنوا عليها { وَعَهْدِهِمْ } الذي عهدوا به سواء كانت الأمنة والعهد لله أو لسائر عباده { رَاعُونَ } [المؤمنون: 8] قائمون بحفظها مواظبون لرعاية حقها بلا فوت شيء من حقوقها ورعايتها.
{ وَٱلَّذِينَ } بالجملة المؤمنون المفلحون الفائزون بالعاقبة الحميدة التي هي مرتبة الكشف والشهود المعبر عند أرباب المحبة والولاء بالحق اليقين { هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ } المقربة لهم إلى ربهم، الفاصلة بين مرتبتي الناسوت واللاهوت { يُحَافِظُونَ } [المؤمنون: 9] أي: يداومون ويواظبون لأدائها بأوقاتها وبشرائطها وآدابها، مع ما ذكر من الأوصاف الجميلة المذكورة والأخلاق المرضية المشكورة، مخلصين فيها، مجتنبين عن الرياء والرعونة والعجب والسمعة.
{ أُوْلَـٰئِكَ } السعداء المقبولون عند الله { هُمُ } الأولياء { ٱلْوَارِثُونَ } [المؤمنون: 10] عن الأنبياء والرسل وصفوة عباد الله وخيرتهم وهم: { ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ } الذي هو التحقق بمقام الكشف والشهود باستحقاقهم الذاي مع استرشادهم، واستفادتهم من الأنبياء والرسل الهادين المهديين المرشدين لهم إلى ما جبلوا لأجله لذلك { هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [المؤمنون: 11] متمكنون متقربون، لا يتحولون ولا يتبدلون.