التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٧
وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَآ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
٨
وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي ٱلصَّالِحِينَ
٩
-العنكبوت

تفسير الجيلاني

ثمَّ قال سبحانه حثاً لعباده على التوجه نحو بابه؛ ليفوزوا بما أعد لهم من الحسنات والدرجات: { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } وأخلصوا إيمانهم { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } المشعرة المؤيدة لإخلاصهم بلا شوب الهوى والرياء والرعونات أصلاً { لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ } ونمحون عن ديوان أعمالهم { سَيِّئَاتِهِمْ } التي جاءوا بها وقت جهلهم وضلالهم { وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ } نعاملن معهم { أَحْسَنَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [العكبوت: 7] يعني: أحسن من الجزاء الذي كانوا يستحقون بأعمالهم بعد إيمانهم وأزيد منه بأضعافه تفضلاً وإحساناً.
وبعدما حثهم سبحانه على الإيمان والعمل الصالح أوحى لهم أمرهم ببر الوالدين وحسن المعاشرة معهما والتحنن إليهما؛ لأنهما من أقرب أسباب ظهورهما على مقتضى سنة الله سبحانه فقال: { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ } بعدما كلفه بالإيمان والعمل الصالح أن يأتي كل منهم ويعمل { بِوَالِدَيْهِ حُسْناً } أي: معاملة ذات حسنٍ يستحسنه العقل والشرع ويرضيه الحق ويقتضيه المروءة بحيث لا يحوم حولها شائبة منَّ ولا أذى ولا استخفاف استحقار، بل يتلذذون لهما ويتواضعون معهما على وجه الانكسار التام والتذلل المفرط.
وعليكم أيها المكلفون امتثال جميع أوامرهما ونواهيهما سوى الشرك بالله والطغيان على الله والعدوان معه ومع رسله وخُلَّص عباده { وَإِن جَاهَدَاكَ } أيها المأمور على بر الوالدين أبواك وبالغا في حقك، مقدمين أشد إقدام وألحا لك أبلغ إلحاح وأتم إبرام { لِتُشْرِكَ بِي } شيئاً من مظاهري ومصنوعاتي { مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَآ } أي: ليس علمك ويقينك متعلقاً بإلوهويته وربوبيته واستحقاقه للعبادة والرجوع إليه في المهمات، فلا تطعهما ولا تقبل أمرهما المتعلق بالإضلال والإشراك، ولا تمتثل قولهما هذا، بل أعرض عنهما وعن قولهما هذا، ولا تمض على دينهما وملتهما؛ إذ { إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ } أصلاً وفرعاً، مؤمناً وكافراً، موحداً ومشركاً، وبعد رجوعكم إلي { فَأُنَبِّئُكُم } وأخبركم { بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [العنكبوت: 8] في دار الاختبار، أحاسب عليكم أعمالكم، وأجازيكم على مقتضاها، إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
{ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } منكم في دار الاختبار مخلصين { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } تكميلاً لإيمانهم وتتميماً له بما هو من لوازمه ومتفرعاته { لَنُدْخِلَنَّهُمْ } حين رجوعهم إلينا { فِي } زمرة السعداء { ٱلصَّالِحِينَ } [العنكبوت: 9] المقبولين الآمنين المستبشرين، الذين
{ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [يونس: 62] والذين كفروا منكم في النشأة الأولى وأصروا على الكفر والشرك، ولم يرجعوا عنه بعد بعث الرسل ونزول الكتب وورود الزواجر والروادع الكثيرة فيها، لنعذبهم عذاباً شديداً، ولندخلنهم يوم يُعرضون في زمرة الأشقياء المردودين المغضوبين الذين لا نجاة لهم من النار، ولا يرجى خلاصهم منها.