التفاسير

< >
عرض

لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ ٱلْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
١٨٨
وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
١٨٩
إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ
١٩٠
ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
١٩١
-آل عمران

تفسير الجيلاني

{ لاَ تَحْسَبَنَّ } أيها الكامل في أمر الرسالة المنافقين { ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ } من الخداع والنفاق مع المؤمنين وإظهار الإيمان على طرف اللسان { وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ } عند إخوانهم { بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ } من الإخلاص مع أهل الإيمان، وهم وإن أخلصوا عن أيدي المؤمنين، ظاهرٌ انخداعهم ونفاقهم { فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ } منجاة ومخلص { مِّنَ ٱلْعَذَابِ } المعدّ له في يوم الجزاء، بل { وَلَهُمْ } فيها { عَذَابٌ أَلِيمٌ } [آل عمران: 188] مؤلم عن رؤيتهم المؤمنين، المخلصين في النعيم الدائم واللذة المستمرة.
{ وَ } إن اغتروا بإمهال الله إياهم في النشأة الدنيا، لا يمهلون في الآخرة؛ إذ { للَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ } أي: عالم الأرواح { وَٱلأَرْضِ } أيك علام الطبيعة، وله التصرف فيهما بالاستقلال، كيف يشاء؟ متى يشاء؟ بطشاً وإمهالاً { وَٱللَّهُ } المتفرد، المتوحد في ملكه ملكوته { عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ } من الأنعام والانتقام { قَدِيرٌ } [آل عمران: 189] إكثاراً وتقتيراً.
{ إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ } أي: الأسماء والأوصاف الفاعلة الفياضة { وَٱلأَرْضِ } أي: الطبيعة القابلة، المستعدة لقبول الفيض { وَٱخْتِلاَفِ ٱلَّيلِ } أي: آثار القبض والجلال { وَٱلنَّهَارِ } أي: آثار البسط والجمال { لآيَاتٍ } دلائل وعلامات دالة على رقائق المناسبات، ودقائق الارتباطات الواقعة بين الأسماء والصفات، المستدعية لظهور التجليات الظاهرة في الآفاق بسحب القوابل والمظاهر { لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } [آل عمران: 190] الواصلين إلى لب التوحيد، المنخلعين عن قشورة بالمرة.
وهم: { ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ } المتوحد في ذاته في جميع حالالتهم { قِيَاماً } قائمين { وَقُعُوداً } قاعدين { وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ } مضطجعين، متكئين { وَيَتَفَكَّرُونَ } دائماً { فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } إلى أن سكروا، وترقى سكرهم إلآ ان تحيروا، بعد تحيرهم استغرقوا، وبعدما استغرقوا تاهوا، وبعدما تاهوا فاتوا، وحينئذ انقطع سيرهم، فمنهم من تمكن في تلك المرتبة واستقر عليها، ومنهم من صحى عن سكره ورجع إلى بدنه مستكملاً، قائلاً: { رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا } المحسوس، المُشَاهد { بَاطِلاً } بلا طائل { سُبْحَانَكَ } ننزهك يا ربنا عن مدركات عقولننا وحواسنا { فَقِنَا } واحفظنا بلطفك { عَذَابَ النَّارِ } [آل عمران: 191] التي هي غفلتنا من مطالعة وجهك الكريم.