التفاسير

< >
عرض

مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ
٦٧
إِنَّ أَوْلَى ٱلنَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ وَهَـٰذَا ٱلنَّبِيُّ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلْمُؤْمِنِينَ
٦٨
وَدَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ
٦٩
يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ
٧٠
يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ
٧١
-آل عمران

تفسير الجيلاني

ثم قال سبحانه: { مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً } لأن موسى إنما جاء بعده بألف سنة { وَلاَ نَصْرَانِيّاً } لأن عيسى عليه السلام إنما جاء بعده بألفي سنة { وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً } مائلاً عن إفراط اليهود والنصارى في عزير وعيسى وتفريطهم في إنكار سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم { مُّسْلِماً } منقاداً معتدلاً، مستوياً على صراط التوحيد { وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [آل عمران: 67] الضالين عن طريق الحق بنسبة الحوادث إلى الأسباب والوسائل.
{ إِنَّ أَوْلَى ٱلنَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ } وأقربهم ديناً، وأولاهم محبة ومودة { لَلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ } من أمته، وتدينوا بدينه، وامتثلوا بما جاء به من عند ربه { وَهَـٰذَا ٱلنَّبِيُّ } المبعوث من شيعته، المنتسب إلى ملته، المنشعب من أهل بيته وزمرته { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بهذا النبي، وبما جاء به من الكتاب الناسخ للكتب السافلة، المبين لطريق التوحيد الذاتي { وَٱللَّهُ } الهادي لعباده إلى جادة توحيده { وَلِيُّ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [آل عمران: 68] الموحدين الذين يريدون وجه الله في جميع حالاتهم، يولي أمور دينهم بحيث لا يشغلهمه عن التوجيه إليه مزخفات الدنيا الشاغلة عن المولى.
{ وَدَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } لخباثة نفوسهم وبغضهم المرتكز في قلوبهم؛ حسداً لظهور دين الإسلام { لَوْ يُضِلُّونَكُمْ } أي: يضلونكم ويحرفونكم عن جادة الشريعة وسبيل الإيمان والتوحيد، نزلت في اليهود لما دعوا حُذيفة وعماراً ومعاذاً إلى اليهودية { وَ } الحال أنهم { مَا يُضِلُّونَ } بهذا الضلال { إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ } لتضعيف العذاب عليهم بسبب هذا الإضلال { وَ } هم { مَا يَشْعُرُونَ } [آل عمران: 69] بهذا الضرر والنكال.
{ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ } المدعين الإيمان بموسى وعيسى - عليهما السلام - والتصديق بكتابهما { لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } المنزلة فيهما الناطقة على بعثة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم { وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } [آل عمران: 70] فيهما أوصافه ونعوته، وتنتظرون إلى ظهوره وبعثته، وبعدما ظهر وبُعث، لِمَ أنكرتم عليه عناداً، وكفرتم استكباراً؟ ومع ذلك غيرتم وحرفتم كتابكم ظلماً وزوراً.
{ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ } المحرفين لكتاب الله { لِمَ تَلْبِسُونَ ٱلْحَقَّ } الظاهر البيِّن المكشوف المنزل من عند الله { بِٱلْبَاطِلِ } المموه المزخرف المفترى من عند أنفسكم { وَتَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ } الذي هو بعثة سيدنا محمد عليه السلام { وَ } الحال أنكم { أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [آل عمران: 71] حقيته في نفوسكم ولا تظهرونه؛ حسداً وبغياً.