التفاسير

< >
عرض

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَآ إِنَّا مِنَ ٱلْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ
٢٢
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآئِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ
٢٣
وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ
٢٤
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقَيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
٢٥
-السجدة

تفسير الجيلاني

{ وَمَنْ أَظْلَمُ } على الله، وأسوأ أدباً معه سبحانه { مِمَّن ذُكِّرَ } ووُعظ { بِآيَاتِ رَبِّهِ } ليهتدي بها إلى الإيمان والتوحيد، ويمتثل بمقتضاها؛ ليتخلص عن الكفر والشرك { ثُمَّ } بعدما سمعها { أَعْرَضَ عَنْهَآ } فجأة بلا تفكر وتأمل في معناها، وأنكر على مقتضاها، واستكبر على ما أنزل الله إليه، فكذبه ونسب إليه ما لا يليق بشأنه، وأصر على ما هو عليه عناداً ومكابرةً { إِنَّا } من مقام قهرنا وجلالنا { مِنَ ٱلْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ } [السجدة: 22] أي: قل لهم يا أكمل الرسل نيابةً عنَّا بعدما بالغوا في الإنكار والإصرار: إنَّا منتقمون منهم على أبلغ وجه وأشده من عموم المجرمين الظالمين، فكيف من هو أجرم وأظلم منهم، وأصر على البغي والعناد؟! فننتقم عنهم، ونخلدهم في عذاب النار؛ إذ لا عذاب أسوأ منه وأشد، أعاذنا الله وجميع عباده منها.
{ وَ } لا تظنن يا أكمل الرسل أنَّا لم ننجز وعدنا الذي وعدنا معك في كتابك من أنَّا ننتقم من أهل الشرك والكفر والإصرار على أبلغ وجه وآكده، بل لك أن تتيقن وتذعن عن إنجاز وعدنا إياك مثلما أنجزنا مواعيدنا مع أخيك موسى الكليم؛ إذ { لَقَدْ آتَيْنَا } من مقام جودننا أخاك { مُوسَى ٱلْكِتَابَ } أي: التوراة مثلما آتيناك الفرقان، ووعدنا فيه معه مثلما وعدنا معك في كتابك هذا من انتقام أهل الفساد والعناد، بل وعدنا هذا الوعد مع كل نبي ورسول آتيناه الكتاب والصحف { فَلاَ تَكُن } أنت أيضاً يا أكمل الرسل { فِي مِرْيَةٍ } أي: شك وارتياب { مِّن لِّقَآئِهِ } أي: إنجاز هذا الموعود وإتيانه على الوجه الذي وعدناه في التوراة { وَ } كيف ترتاب في وعدنا هذا مع أنَّا قد { جَعَلْنَاهُ } أي: التوراة { هُدًى لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } [السجدة: 23] يهتدون به إلى المعالم الدينية، والمعارف اليقينية، والحقائق العليَّة، والمكتشفات السنيَّة؟!.
{ وَ } كيف لا وهم من خواص عبادنا وخلَّصهم؛ إذ قد { جَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً } أمناء هادون، مهديون مقتدون { يَهْدُونَ } الناس { بِأَمْرِنَا } ووحينا إياهم، وإلهامنا إليهم إلى ديننا وتوحيدنا، وإنما أعطيناهم ما أعطيناهم من الكرامات { لَمَّا صَبَرُواْ } أي: حين وطَّنوا نفوسهم على تحمل ما لحقهم في إعلاء كلمة الحق، وإفشاء أعلام الدين من المتاعب والمكروهات المؤدية إلى إتلاف النفس، وبذل المهج وأنواع المصيبات { وَ } هم { كَانُواْ } في أنفسهم { بِآيَاتِنَا } النازلة إياهم، الدالة على كمال قدرتنا، الواردة في أي شيء أردناه { يُوقِنُونَ } [السجدة: 24] يذعنون، لا يترددون فيها ولا يتذبذبون، وأنت يا أكمل الرسل أولى وأحق منهم بإيقان آياتنا وإذعانها.
{ إِنَّ رَبَّكَ } الذي رباك بأنواع الكرامات، وأيدك بأصناف الخوارق والمعجزات { هُوَ } بذاته ومقتضى حكمته المتقنة، وأحكامه المبرمة { يَفْصِلُ } ويقضي { بَيْنَهُمْ } أي: بين المحقين والمبطلين، ويميز كلاً منهم عن صاحبه { يَوْمَ ٱلْقَيَامَةِ } المعدة للقطع والفصل، وتنفيذ الأحكام والحكومات، فومئذٍ يظهر لهم الحق { فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } [السجدة: 25] من الأمور الدينية، والمعارف اليقينية.