التفاسير

< >
عرض

يسۤ
١
وَٱلْقُرْآنِ ٱلْحَكِيمِ
٢
إِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ
٣
عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
٤
تَنزِيلَ ٱلْعَزِيزِ ٱلرَّحِيمِ
٥
لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ
٦
لَقَدْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ عَلَىٰ أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ
٧
إِنَّا جَعَلْنَا فِيۤ أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِىَ إِلَى ٱلأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ
٨
وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ
٩
-يس

تفسير الجيلاني

{ يسۤ } [يس: 1] يا من تحقق بينبوع بحر اليقين، وسبح فيه سالماً عن الانحراف والتلوين.
{ وَ } حق { ٱلْقُرْآنِ ٱلْحَكِيمِ } [يس: 2] المحكم نظمه وأسلوبه، المتقن معناه وفحواه.
{ إِنَّكَ } يا أكمل الرسل وخاتم الأنبياء، المبعوث إلى كافة البرايا { لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } [يس: 3] المتمكنين.
{ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [يس: 4] موصل إلى التوحيد الذاتي، بلا عوج وانحراف.
وكيف لا يكون القرآن العظيم حكيماً مع أنه { تَنزِيلَ } أي: منزل من عند { ٱلْعَزِيزِ } الغالب، القادر على جميع المقدورات على الوجه الأحكم الأبلغ { ٱلرَّحِيمِ } [يس: 5] في إنزاله على الأنام؛ ليوقظهم عن نوم الغفلة ونعاس النيسان.
إنما أنزل الحكيم المنان عليك يا أكمل الرسل هذا القرآن { لِتُنذِرَ } أنت { قَوْماً } لم يبعث فيهم نذير من قبلك { مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ } الأقربون أيضاً؛ إذ هم ليسوا من أهل الكتاب وتابعي الملة؛ لتمادي مدة فترة الرسل بعد عيسى - صلوات الله عليه وسلامه - أو المعني { لِتُنذِرَ قَوْماً } [يس: 6] بالذي أنذر به آباؤهم الأبعدون.
وبعدما قد تطاول أيام الفترة، انطقع عنهم أثر الإنذار، وصار كأن لم يكن شيئاً مذكوراً، بالجملة { فَهُمْ غَافِلُونَ } [يس: 6] أي: القوم الذين قد أُرسلت إليهم يا أكمل الرسل، ذاهلون عن الإنذار والمنذر، بل عن مطلق الرشد والهداية؛ إذ هم متولدون في زمان فترة الرسل.
وكيف لا ينذرهم سبحانه ولا سيرسل إليهم من يصلح أحوالهم { لَقَدْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ } وسبق الحكم من الله، ومضى القضاء منه سبحانه { عَلَىٰ أَكْثَرِهِمْ } أي: أكثر أهل مكة بالكفر والعذاب، وعدم الوصول إلى خير المنقلب والمآب، وبعدما قد ثبت في حضرة علمه سبحانه كفرهم وضلالهم { فَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ } [يس: 7] بالله، ولا يصدقون برسوله وكتابه.
وكيف يؤمنون أولئك المصرون على الكفر والعناد المقضيون من عدنا بالشقاوة الأزلية { إِنَّا } بمقتضى قهرنا وجلالنا { جَعَلْنَا فِيۤ أَعْناقِهِمْ } التي هي سبب التفاتهم وتمايلهم نحو الحق وآلة انعطافهم للإطاعة والانقياد بالدين القويم { أَغْلاَلاً } وصيرناهم مغلولوين من الأيدي إلى الأعناق، بحيث لا يمكنهم الطأطأة والانخفاض أصلاً، ولا بدَّ للتدرين والانقياد من التذلل والخضوع، وكيف يمكنهم هذا { فَهِىَ إِلَى ٱلأَذْقَانِ } أي: أغلالهم منتهية إلى لحيتهم { فَهُم مُّقْمَحُونَ } [يس: 8] رافعون رءوسهم، مضطرون برفعها بسبب تلك الأغلال الضيقة، بحيث لا يسع لهم التفات يمنة ويسرة، وفوقاً وتحتاً.
بل { وَجَعَلْنَا } لهم من كما ضبنا إياهم { مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ } أي: قدامهم { سَدّاً } حجاباً كثيفاً { ومِنْ خَلْفِهِمْ } أيضاً { سَدّاً } غطاء غليظاً كذلك، فصاروا محفوفين بين الحجب الكثيفة المانعة عن إبصار نور الهداية والتوحيد، وبالجملة: { فَأغْشَيْنَاهُمْ } أي: أعمينا عيون بصائرهم التي هي سبب رؤية الآيات ودرك الدلائل القاطعة والبراهين الساطعة { فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } [يس: 9] الشواهد الظاهرة والآيات الباهرة حتى يرشدهم إلى الهداية والإيمان، فحرموا عن قبول الحق، وانصرفوا عن صراطه، فهلكوا في تيه الغواية والضلال، أعاذنا الله وعموم عباده عن ذلك.