التفاسير

< >
عرض

وَٱسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً
١٠٦
وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ ٱلَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً
١٠٧
يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَىٰ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً
١٠٨
هَٰأَنْتُمْ هَـٰؤُلاۤءِ جَٰدَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا فَمَن يُجَٰدِلُ ٱللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ أَمْ مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً
١٠٩
-النساء

تفسير الجيلاني

{ وَٱسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ } من رمي البرئ، والميل إلى الخائن { إِنَّ ٱللَّهَ } المطلع لضمائر عباده { كَانَ غَفُوراً } لمن استغفر له { رَّحِيماً } [النساء: 106] لمن أخلص في استغفاره.
نزلت في طعمة بن أبيرق من بني ظفر، سرق درعاً من جاره قتادة بن النعمان، هو في جراب دقيق ينثر من خرق فيه، وأودعها عند زيد بن السهني اليهودي، فلما وقف قتادة ظن أنه عند طعمة وطلب منه، فأنكر وتفحص في بيته ولم يجد، وحلف ما أخذها وما له بها علم وخبر، فتركه واتبع أثر الدقيق حتى انتهى إلى منزل اليهودي، فوجدها في بيته، وقال: أودعها عندي طعمة، وشهد له ناس من اليهود، فقالت بنو ظفر: انطلقوا بنا إلى رسول الله، فالتمسوا منه صلى الله عليه وسلم أن يجادل في صاحبهم، وقالوا: إن لم تجادل عنه هلك وافتضح، فهمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يميل ويفعل ما التمسوا مداهنة ومجادلة، فجاء جبريل عليه السلام بهذه الآية، فندم صلى الله عليه وسلم عما همَّ، واستغفر ربه، ورجع، وتضرع.
{ وَلاَ تُجَادِلْ } يا من أرسل على الحق مع المحقين { عَنِ } جانب المبطلين { ٱلَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ } باقتراف الخياننة وانتسابها إلى الغير افتراء { إِنَّ ٱللَّهَ } المرسل لك على الحق { لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً } مقترفاً للخياننة { أَثِيماً } [النساء: 107] مفترياً لغيره؛ تنزيهاً لنفسه عند الناس، استخفاء منهم.
وهم من غاية عمههم وجهلهم { يَسْتَخْفُونَ } خيانتهم { مِنَ ٱلنَّاسِ } مع بعدهم عنهم { وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ } والرقيب عليهم أقرب من وريدهم { إِذْ يُبَيِّتُونَ } يلبسون ويزورون { مَا لاَ يَرْضَىٰ } الله { مِنَ ٱلْقَوْلِ } الكاذب ورمي البرئ وشهادة الزور، والحلف الكاذب وغير ذلك { وَكَانَ ٱللَّهُ } المطلع بسرائرهم وضمائركم { بِمَا يَعْمَلُونَ } من أمثال هذه الأباطيل الزائفة { مُحِيطاً } [النساء: 108] لا يعزب عن عمله شيء.
{ هَٰأَنْتُمْ } أيها المجادلون المبطلون { هَـٰؤُلاۤءِ } الخائنون المفترون { جَٰدَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا } فسترتم ما عرض بهم من الخيانة والعار في هذه الدار { فَمَن يُجَٰدِلُ ٱللَّهَ } المنتقم { عَنْهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ } ويستر زلتهم عنه فيها { أَمْ مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً } [النساء: 109] بظاهرهم، وينقذهم من عذاب الله وبطشه.