التفاسير

< >
عرض

يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيۤ أَوْلَٰدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا ٱلنِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُنْ لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ ٱلثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ ٱلسُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَآ أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً
١١
-النساء

تفسير الجيلاني

ثم لما قدر سبحانه على المتوارثين نصيباً مفروضاً على وجه الإجمال، أراد أن يفصل ويعين أنصباءهم، فقال: { يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ } أي: يأخذ منكم العهد ويأمركم بمحافظته { فِيۤ } حق { أَوْلَٰدِكُمْ } المستخلفين بعدكم، وهو أن يُقسَّم متروك المتوفى منكم بينهم { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ } أي: لأن كل ذكر لا بد له من أنثى أو أكثر ليتزوجها، حتى يتم أمر النظام الإلهي والنكاح المعنوي، ويجب عليه جميع حوائجها، وكذا لكل أنثى لا بد لها من ذكر ينكحها بعين ما ذكر، ويأتي بحوائجها، فاقتضت أيضاً الحكمة الألهية أن يكون نصيبهما بقدر كفافهما واحتياجهما؛ لذلك عينه سبحانه هكذا.
{ فَإِن كُنَّ } أي: الوارثات { نِسَآءً } خلصاً ليس بينهن ذكور، هن { فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ } المتوفى { وَإِن كَانَتْ } الوارثة بنتاً { وَاحِدَةً } فقط { فَلَهَا ٱلنِّصْفُ } مما ترك المتوفى، وإن كانتا بنتين فقط، فقد اختلف فيهما، فقال ابن عباس: حكمهما حكم الواحدة، وقال الباقون: حكمهما حكم ما فوق الاثنين، وعلى هذا يكون لفظة: { فَوْقَ } مقحماً، كما في قوله تعالى:
{ فَٱضْرِبُواْ فَوْقَ ٱلأَعْنَاقِ } [الأنفال: 12] وكذا عيَّن سبحانه نصيب الأبوين، فقال: { وَلأَبَوَيْهِ } أي: لأبوي المتوفى { لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ } المتوفى { إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ } ذكراً أو أنثى { فَإِن لَّمْ يَكُنْ لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ ٱلثُّلُثُ } وللأب الباقي، هذا إذا لم يكن له غير الأب والأم وارث.
{ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ } للمتوفى { فَلأُمِّهِ ٱلسُّدُسُ } أي: تردون الأم من الثلث إلى السدس بخلاف الأب، فإنهم لا يرثون معه هذه القسمة والأنصباء المعينة { مِن بَعْدِ } إخراجه { وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَآ } من ماله للفقراء { أَوْ } قضاء { دَيْنٍ } كان في ذمته، وهما أيضاً بعد تجهيزه وتكفينه، ثم أشار سبحانه إلى أن أمر الميراث وتعيين الأنصباء أمر تعبدي، ليس لكم أن تتخلفوا عنها؛ لمقتضى ميلكم وظنكم، إلى أن تورثوا بعض الورثة وتحرموا الآخر، بل لكم ألاَّ تفاوتوا بينهم، سواء كانوا { آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ }.
إذ { لاَ تَدْرُونَ } ولا تعلمون جزماً { أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً } في الدار الآخرة عند الله فعليكم ألاَّ تتجاوزوا عن قسمة الله، بل انقادوا لها واعتدوها { فَرِيضَةً } مقدرة { مِّنَ } عندن { ٱللَّهِ } صادرة عن محض العلم و الحكمة { إِنَّ ٱللَّهَ } المصلح لأحوال عباده { كَانَ عَلِيماً } بمصالحهم { حَكِيماً } [النساء: 11] في ترتيبها وتدبيرها.