التفاسير

< >
عرض

وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَـٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ
٢٢
وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِّنَ ٱلُخَاسِرِينَ
٢٣
فَإِن يَصْبِرُواْ فَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ ٱلْمُعْتَبِينَ
٢٤
وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ
٢٥
-فصلت

تفسير الجيلاني

ثم قال سبحانه تذكيراً لما هم عليه عن ارتكاب المعاصي توبيخاً لهم وتقريعاً: { وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ } أي: لم تكونوا مسرين مستترين عند ارتكاب الفواحش والمحظورات مخافة { أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ } عند الله في يوم الجزاء؛ لإنكاركم به، بل إنما تشترون وتكتمون معاصيكم وقبائحكم مخافة فضاحتكم واشتهاركم بين الناس بالمذام { وَلَـٰكِن ظَنَنتُمْ } بالله ظن السوء، وهو { أَنَّ ٱللَّهَ } المطلع لسرائر الأمور وخفاياتها { لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ } [فصلت: 22] في خلواتكم، لذلك اجترأتم على اقتراف المعاصي والآثام المحرمات.
{ وَذَلِكُمْ } أي: هذا الذي نسبتم إلى الله بقولهم هذا { ظَنُّكُمُ } السوء، وزعمكم الفاسد { ٱلَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ } العليم الخبير بجميع ما صدر عنكم، وهذا { أَرْدَاكُمْ } وأهلككم في تيه الجهل والضلال، وبعدما فوَّتم على أنفسكم أسباب السعادة والهداية، واخترتم بدلها ما يوجب الشقاوة والضلال { فَأَصْبَحْتُمْ مِّنَ } زمرة { ٱلُخَاسِرِينَ } [فصلت: 23] وانقلبتم صاغرين مهانين، وصرتم في النار خالدين.
وبعدما دخلوا في النار المسعرة بأنواع المذلة والهوان { فَإِن يَصْبِرُواْ } على فوحاتها والتهاباتها الشديدة { فَٱلنَّارُ مَثْوًى } منزلاً { لَّهُمْ } أبداً، لا نجاة لهم منها أصلاً { وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ } ويبثوا الشكوى والعتبى، ويظهروا الكآبة وعدم الطاقة { فَمَا هُم مِّنَ ٱلْمُعْتَبِينَ } [فصلت: 24] المجابين بإزالة العتبى والشكوى، بل كلما أظهروا العتاب ضوعف لهم العذاب.
{ وَ } كيف يزال عتابهم، ولا يضاعف عليهم عذابهم؛ إذ قد { قَيَّضْنَا } وقدرنا { لَهُمْ } فيما هم عليه من الكفر والشقاق، وأنواع الفسوق والنفاق { قُرَنَآءَ } أخداناً وإخواناً من الشياطين يوحون إليهم ما يبعدهم عن الحق وأهله { فَزَيَّنُواْ لَهُم } وحسَّنوا لطباعهم { مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } من اتباع الشهوات، واركتاب المناهي والمحظورات { وَ } إنكار { مَا خَلْفَهُمْ } من الأمور الأخروية مواعيدها وموعوداتها.
{ وَ } سبب ارتكاب المعاصي وإصفاؤهم، قول قرنائهم { حَقَّ } وثبت { عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ } وكلمة العذاب المؤبد منَّا، وليس هذا مخصوص بقوم دون قوم بل جرت سنتا كذلك { فِيۤ } كل { أُمَمٍ } مفسدة مشركة { قَدْ خَلَتْ } ومضت { مِن قَبْلِهِمْ } أي: قبل هؤلاء المشركين المسرفين سواء أكانوا { مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ } أي: المكلفين منها، وإنما استحقوا العذاب المؤبد والنكال المخلد بسبب { إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ } [فصلت: 25] خسراناً مبيناً؛ لاستبدالهم أسباب السعادة والهداية بالشقاوة والضلال.