التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهَا وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ
١٠١
قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ
١٠٢
مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَـٰكِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ
١٠٣
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ
١٠٤
-المائدة

تفسير الجيلاني

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } مقتضى إيمانكم أن { لاَ تَسْأَلُواْ } ولا تقترحوا من رسولكم { عَنْ أَشْيَآءَ } قبل ورود الوحي { إِن تُبْدَ } وتظهر { لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } وتغمكم، وتورث فيكم حزناً { وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ } بلا سواء وحزن { عَفَا ٱللَّهُ } عمَّا سلف { عَنْهَا } فعليكم أن تحافظوا عليها بعد ورود النهي { وَٱللَّهُ } المطلع لضمائر عباده { غَفُورٌ } لهم ما سبق من ذنوبهم قبل ورود الزواجر { حَلِيمٌ } [المائدة: 101] لا يعجل بالعقوبة إلى أن يبوؤوا.
واعلموا أنه { قَدْ سَأَلَهَا } عنها { قَوْمٌ } مثلكم { مِّن قَبْلِكُمْ } من أنبيائهم { ثُمَّ } بعدما ظهر ما اقترحوا { أَصْبَحُواْ } صاروا { بِهَا } بسبب ظهورها { كَافِرِينَ } [المائدة: 102] بعدم امتثالهم وانقيادهم بما ظهر.
{ مَا جَعَلَ ٱللَّهُ } أي: ما وضع، وشرع لكم في دينكم ما في الجاهلية { مِن بَحِيرَةٍ } وهو أنهم كانوا إذا انتجت ناقتهم خمسة أبطن خامسها ذكر بحروا أذنها؛ أي: شقُّوها وخلوا سبيلها، فلا تركب ولا تحمل ولا تحلب أبداً، فسموها بحيرة { وَلاَ سَآئِبَةٍ } وهي أنهم قالوا: إذا شفيتُ فناقتي سائبة؛ أي: ممنوعة من الانتفاع كالبحيرة { وَلاَ وَصِيلَةٍ } وهي أنهم إذا ولدت شاتهم أنثى كان لهم، وإذا ولدت ذكراً كان لآلهلتهم، وإذا ولت ذكرا وأنثى في بطن واحد يتبعون الأنثى بالكذور، ويتقربون بها، وسموها وصيلة.
{ وَلاَ حَامٍ } وهي أنهم إذا أنتجت من صلب فحل عشرة أبطن، حرم انتفاعه بالكلية، ولم يمنعوها من الماء والكلأ والمرعى، وقالوا: قد حمى ظهره، ويسمونها حام { وَلَـٰكِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أعرضوا عن الإيمان والإطاعة { يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ } أي: يستوي أمثال هذه المزخرفات الباطلة على الله؛ افتراءً { وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } [المائدة: 103] الله، ولا يعلمون حق قدرة ومقتضى حكمته.
{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ } إمحاضاً للنصح: { تَعَالَوْاْ } هلموا { إِلَىٰ } امتثال { مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ } المصلح لحالاتكم { وَإِلَى } متابعة { ٱلرَّسُولِ } الهادي لكم عمَّا فيكم من الضلال { قَالُواْ } من غاية انهماكهم في الغفلة: { حَسْبُنَا } وكافياً { مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ } وأسلافنا، قل لهم { أَ } تقلدونهم، وتقتفون أثرهم { وَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً } من أنفسهم { وَلاَ يَهْتَدُونَ } [المائدة: 104] طريقاً مستقيماً بإهداء الهادي، وإرشاد المرشد مع كونكم عقلاء من أهل التمييز والاختيار، فالعار كل العار، فاعتبروا يا أولي الأبصار.