التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى ٱلْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوۤاْ آمَنَّا وَٱشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ
١١١
إِذْ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ قَالَ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ
١١٢
قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ ٱلشَّاهِدِينَ
١١٣
قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ ٱللَّهُمَّ رَبَّنَآ أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنْكَ وَٱرْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ
١١٤
-المائدة

تفسير الجيلاني

{ وَإِذْ أَوْحَيْتُ } وألهمت { إِلَى ٱلْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي } عيسى بن مريم { قَالُوۤاْ } عن صميم فؤادهم: { آمَنَّا } بك وبرسولك { وَٱشْهَدْ } يا بنا { بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ } [المائدة: 111] منقادون بدينك ونبيك، نستوعدك هذه الشهادة إلى قوت الحاجة، اذكر { إِذْ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ } لك حين أرادوا الترقي في مرتبة العلم إلى العين: { يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ } اضافوه إليه؛ لتحققه في مرتبة العلم والحق { أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً } رزقاً معنوياً حقيقاً { مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } أي: من جانب العلو الذي هو مرتبة العين والحق، فلمَّا سمع منهم ما سمع آيس منهم، وأفظع أمرهم، وأوجس في نفسه خيفة من الله الغيور؛ لأنهم ليسوا في تلك الحالة مستعدين الكشف والشهود، لذلك { قَالَ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } عن أمثال هذه الأسئلة { إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ } [المائدة: 112] موقنين بكمال قدرته وإرادته واختياره، واستقلاله بالتصرف في ملكه وملكوته.
{ قَالُواْ } معتذرين، ملتجئين: { نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ } نذوق ونستفيد { مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا } وتتمكن أقدامنا في جادة التوحيد { وَنَعْلَمَ } يقيناً عينياً { أَن قَدْ صَدَقْتَنَا } في جميع ما أرشدتنا وأهديتنا { وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ ٱلشَّاهِدِينَ } [المائدة: 113] أي: من أهل الشهود والكشف بلا حجاب العلم.
فلمَّا أحس عيسى ابتلاء الله، وفتنته إياهم بادر إلى المناجاة، حيث { قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ ٱللَّهُمَّ رَبَّنَآ أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً } فرحاً وسروراً { لأَوَّلِنَا } متقدمينا { وَآخِرِنَا } متأخيرنا { وَآيَةً مِّنْكَ } تنكشف بها بتوحيدك { وَٱرْزُقْنَا } من لدنك حظاً يخلصنا من ظلام أظلالنا، وغيوم هوياتنا { وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } [المائدة: 114] على من سبقت غايته له.