التفاسير

< >
عرض

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ وَٱلْمُنْخَنِقَةُ وَٱلْمَوْقُوذَةُ وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلأَزْلاَمِ ذٰلِكُمْ فِسْقٌ ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٣
-المائدة

تفسير الجيلاني

ثم لمَّا كان الأصل في الأشياء الحل والإباحة، والحرمة إنما عرضت من الشرع، بيَّن سبحانه أولاً حكم المحللات مطلقاً وما يتفرع عليها، ثم عيَّن المحرمات التي استثناها بقوله { إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ } [المائدة: 1، الحج: 30] فقال { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ } في دينكم { ٱلْمَيْتَةُ } المائت حتف أنفه بلا موجب لإزالة الحياة { وَٱلْدَّمُ } المسفوح، السائل التزكية أو بغيرها { وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ } النجس، الظاهر خباثته عقلاً وشرعاً.
{ وَ } من جملة المحرمات { مَآ أُهِلَّ } صوت ذبحه { لِغَيْرِ } اسم { ٱللَّهِ بِهِ } من أسماء الأصنام { وَ } كذا { ٱلْمُنْخَنِقَةُ } المزيلة حياتها بالخنق بلا تذكية، كما يفعل المشركون { وَ } كذا { ٱلْمَوْقُوذَةُ المضروبة بالخضب الأحجار إلى أن تذهب منها الروح { وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ } التي سقطت من علو، أو في بئر فزالت حياتها { وَٱلنَّطِيحَةُ } أيضاً، وهي التي نطحها الحيوان الآخر فماتت { وَ } كذا حرمت عليكم { مَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ } منه فزال حياته { إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ } قطعتم حلقومه مهللين حين أحسستم الرمق منه، فإنه يحل لكم.
{ وَ } كذا حرمت عليكم { مَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ } أي: الأصنام الموضوعة حول البيت، كانوا يعظمونها، ويتقربون إليها بالذبائح والقرابين { وَ } من جملة المحرمات { أَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلأَزْلاَمِ } أي: الأقداح، وذلك أنهم إذا قصدوا فعلاً ضربوا ثلاثة أقداح مكتوب على أحدها: أمرني ربي، وعلى الآخر: نهاني ربي، وعلى الثالث: غفل، فإن خرج الأمر مضو عليه، وإن خرج النهي انصرفوا عنه، وإن خرج الغفل أجالوها ثانياً.
ومعنى الاستقسام بها: الاستخبار، والاستفسار عن القسمة الغيبية التي استأثر الله بها، ولم يطلع أحداً عليها، وأمثال هذا ما هي إلا كهانة وكفر، صدرت عن أولي الأحلام السخيفة، الخبيثة، الناشئة من عدم الرضا بقضاء الله { ذٰلِكُمْ } أي: استقسامكم واستخباركم من أزلامكم { فِسْقٌ } خروج عمَّا عليه الأمر والشروع وديدنة الجاهلية فعليكم أن تجتنبوا عن أمثالها، خصوصاً { ٱلْيَوْمَ يَئِسَ } وقنط بالمرة { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } عن انصرافكم { مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ } على غلبتهم بترك رسومهم وعاداتهم المستقبحة.
{ وَٱخْشَوْنِ } عن بشطي وانتقامي بترك ما أمرتب لكم، ونهيت عنه في جميع أحوالكم وأزمانكم، سيما { ٱلْيَوْمَ } الذي هذا قد { أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } بأن ينصركم ويغلبكم على مخالفيكم مطلقاً، ويظهر دينكم على الأديان كلها { وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } ظاهراً وباطناً بالاستيلاء، والغلبة على الأعداء، وقمع الآراء الباطلة والأهواء الفاسدة بالكلية { وَ } من إتمام نعمتي عليكم أني { رَضِيتُ } اخترت وانتخبت { لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ } الإطاعة والانقياد { دِيناً } ديدنه ومذهباً؛ إذ لا دين عند الله إلا الإسلام.
وبعد كما دينكم وإتمام النعم عليكم، وتحليل ما أحل، وتحريم ما حرم { فَمَنِ ٱضْطُرَّ } منكم { فِي مَخْمَصَةٍ } مجاعة مفرطة، ملجئة إلى تناول الجيف والمحرمات حال كونكم { غَيْرَ مُتَجَانِفٍ } مائل { لإِثْمٍ } ومعصية، رخص التناول منها مقدار سدّ جوعه { فَإِنَّ ٱللَّهَ } المصلح لأحوالكم { غَفُورٌ } مما صدر عنكم حين اضطراركم ومخمصتكم { رَّحِيمٌ } [المائدة: 3] لا يخواذكم عليه بعدما رخص لكم.