التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَٱحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَمْ يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ
٤١
-المائدة

تفسير الجيلاني

{ يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ } البعوث بالحق على كافة الخلق بشيراً ونذيراً { لاَ يَحْزُنكَ } صنيع الفرق { ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ } أي: يسرعون إليه عند الفرصة؛ لكون جبلتهم عليه وميلهم بالطبع نحوه { مِنَ } المداهنين المنافقين { ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ } حفظاً لدمائهم وأموالهم: { آمَنَّا } قولاً مجرداً { بِأَفْوَاهِهِمْ وَ } الحال أنه { لَمْ تُؤْمِن } ولم تذعن { قُلُوبُهُمْ } بل ختم عليها بالكفر.
{ وَ } علامة كفرهم أنهم من غاية نفاقهم معك ومع من تبعك { مِنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ } أي: للكذب المفترى بالتورية، بأنك لست النبي الموعود فيها ومصدقون لها من الذين هادوا، قدم الاختصاص؛ إذ لا مصاحبة للمنافقين مع المؤمنين خصوصاً في خلواتهم، بل مع أحبار اليهود، وهم من أعدى عدوك، وأشدهم غيظاً وبغضاً، ومع ذلك { سَمَّاعُونَ } أيضاً { لِقَوْمٍ آخَرِينَ } ممن آمن بك من أقاربهم وعشائرهم؛ لضلوهم عن طريق الحق، ومن لم يؤمن لك يميلون بقلوبهم إلى الإيمان ليقعدوهم، وليصرفوهم عمَّا نووا في نفوسهم، وكيف لا يكون أحبار اليهود من أعدى عدوك يا أكمل الرسل، وهم من غاية بغضهم معك { لَمْ يَأْتُوكَ }؟.
ومع عدم إتيانهم { يُحَرِّفُونَ } ويغيرون { ٱلْكَلِمَ } المنزلة في التوراة بيان بعثتك ووصفك وحليتك، ومنشأتك وحسبك ونسبك وعلو شأنك، ووضوح برهانك وتكملتك أمر النبوة والرسالة، ونسخك جمع الأديان { مِن بَعْدِ } كونه مثبتاً عن { مَوَاضِعِهِ } بوضع إلهي، وهم أيضاً من غاية بغضهم معك { يَقُولُونَ } لإخوانهم حينما حكموك في أمر؛ لشهرة أمانتك، ووثوقهم برأيك وعزيمتك في قطع الخصومات: { إِنْ أُوتِيتُمْ } وحكمتم طبق { هَـٰذَا } أي: المحرف { فَخُذُوهُ } واقبلوه، وامضوا عليه، وارضوا به { وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ } موافقاً له { فَٱحْذَرُواْ } منه، وأعرضوا عنه.
ثم قال سبحانه؛ تسليةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم: { وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتْنَتَهُ } كفره وظلمته وقساوته { فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً أُوْلَـٰئِكَ } البعداء عن نهج الرشاد من الكفارين { ٱلَّذِينَ لَمْ يُرِدِ ٱللَّهُ } ولم يتعلق مشيئته { أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ } من خباثة الكفر الشرك { لَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ } هوان وصغار وجزية وذلة ومسكنة { وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [المائدة: 41] هو الخلود في نار الحرمان عن مرتبة الإنسان.