التفاسير

< >
عرض

لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٧٣
أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَىٰ ٱللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٧٤
مَّا ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ ٱلطَّعَامَ ٱنْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ ٱلآيَاتِ ثُمَّ ٱنْظُرْ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ
٧٥
-المائدة

تفسير الجيلاني

{ لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ } من عدم تحققهم بمقام التوحيد، وعدم تنبههم بمرتبة الفناء في الله: { إِنَّ ٱللَّهَ } المنزه عن التعدد، بل عن العدد مطلقاً { ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ } واحد منها وأراد بالثلاثة هو ومريم وعيسى { وَ } الحال أنه { مَا مِنْ إِلَـٰهٍ } أي: في الوجود موجود { إِلاَّ إِلَـٰهٌ } موجود { وَاحِدٌ } محير للعقول والأبصار، ماحٍ لظلال السّوى الأغيار { وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ } هؤلاء الظَّلَمة { عَمَّا يَقُولُونَ } من التثليث والتعدد في الألوهية { لَيَمَسَّنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ } أي: بقوا على كفرهم بلا إيمان إلى أن ماتوا عليه { عَذَابٌ أَلِيمٌ } [المائدة: 73] لا عذاب أشد منه، وهو حرمانهم عن مرتبة التوحيد التي هي مرتبة الخلافة والنيابة، أتصرون على هذا الكفر والضلال؟
{ أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَىٰ ٱللَّهِ } ولا يؤمنون له { وَ } لا { يَسْتَغْفِرُونَهُ } عمَّا صدر عنهم من الجرائم العظام؟ حتى تقبل توبتهم وإيمانهم { وَٱللَّهُ } المنزه في ذاته عن كفرهم وإيمانهم { غَفُورٌ } لهم إن أخلصوا في توبتهم وإيمانهم { رَّحِيمٌ } [المائدة: 74] لهم، يقبل توبتهم ولم يأخذهم على ما صدر عنهم بعدما تابوا.
{ مَّا ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ } من الرسل العظام { قَدْ خَلَتْ } مضت { مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ } مثله: ولم ينسبهم أحد إلى ما نسبوه { وَأُمُّهُ } أيضاً { صِدِّيقَةٌ } مقبولة عند الله، قد مضت مثلها كثيرة من الصادقات المقبولات، لم ينسبها أحد إلى ما نسبتموها وبالجلمة: كيف ينسبونها إلى الألوهية { كَانَا } مركَّبان { يَأْكُلاَنِ ٱلطَّعَامَ } بدلاً لا يتحلل والإله منزةٌ عن التركيب والتحليل، والأكل والشرب، والأبوة والأمومة وغيرها من أوصاف البشر { ٱنْظُرْ } أيها الناظر متعجباً { كَيْفَ نُبَيِّنُ } ونوضح { لَهُمُ ٱلآيَاتِ } الدلائل القاطعة، الدالة على عدم ليقاتها بمرتبة الألوهية، مع أنه لا حاجة إلى الدليل أصلاً عند من له أدنى درية { ثُمَّ ٱنْظُرْ } وازدد في تعجبك { أَنَّىٰ } كيف { يُؤْفَكُونَ } [المائدة: 75] يصرفون وجوه عقولهم عن طريق الحق وإسماع كلمة التوحيد.