التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ تَرَىۤ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ ٱلْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَآ آمَنَّا فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّاهِدِينَ
٨٣
وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَمَا جَآءَنَا مِنَ ٱلْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلصَّالِحِينَ
٨٤
فَأَثَابَهُمُ ٱللَّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذٰلِكَ جَزَآءُ ٱلْمُحْسِنِينَ
٨٥
وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَآ أُوْلَـۤئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلْجَحِيمِ
٨٦
-المائدة

تفسير الجيلاني

{ وَ } من غاية تشوقهم إلى مرتبة اليقين الحقي { إِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ } من الحكم والأحكام والتذكير، والرموز والإشارات، والعبر والأمثال، المنبئ كل منها من مرتبة اليقين الحقي { تَرَىۤ } أيها الرائي { أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ } تسيل { مِنَ ٱلدَّمْعِ } من غاية تلذذهم، ونهاية تشوقهم بتلك المرتبة، وذلك التذلل والتشوق { مِمَّا عَرَفُواْ } بقدر وسعهم وطاقتهم { مِنَ } أمارات مرتبة { ٱلْحَقِّ } فكيف إذا تحققوا بها، وتمكنوا في مقعد الصدق.
{ يَقُولُونَ } من غاية تحننهم وتشوقهم منادياً، مناجياً، قلقاً، حائراً، خائفاً، حذراً، راجياً: { رَبَّنَآ آمَنَّا } صدقنا، وتحققنا بمَّا وهبت لنا من مرتبتي العلم والعين، وبعدما تحققنا بتوفيقك بهما { فَٱكْتُبْنَا } بلطفك { مَعَ ٱلشَّاهِدِينَ } [المائدة: 83] المتمكنين الذين حضروا وانقطع سيرهم، وحاروا إلى أن تاهوا أو فانوا، لا إله إلا هو، كل شيء هالك إلا وجهه.
{ وَ } يقولون أيضاً من غاية تحسرهم وتعطشهم: { مَا لَنَا } أي: أيّ شيء عرض لنا { لاَ نُؤْمِنُ } نصدق ونوقن ونذعن { بِٱللَّهِ } المتوحد، المتجلي في الأكوان، المستغني عن الدليل والبرهان { وَ } لا نتبع ونمتثل { مَا جَآءَنَا مِنَ } دلائل { ٱلْحَقِّ } وبنيانه { وَ } مع ذلك { نَطْمَعُ } ونرجو { أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلصَّالِحِينَ } [المائدة: 84] لتلك المرتبة.
وبعدما فزعوا إلى الله، وأخلصوا فيما أظهروا { فَأَثَابَهُمُ ٱللَّهُ } وأورثهم { بِمَا قَالُواْ } راجياً، مناجياً، متمنياً، متحسراً { جَنَّاتٍ } منتزهات من العلم والعين والحق { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } أنهار المعارف والحقائق من ألسنة أرباب الكشف واليقين؛ ليحيي بلدة ميتاً من المحجوبين المسجونين بسلاسل التلقليدات، وأغلال الدلائل والتخمينات { خَالِدِينَ فِيهَا } ما شاء الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، و{ وَذٰلِكَ } الفوز العظيم، والفضل الكريم { جَزَآءُ ٱلْمُحْسِنِينَ } [المائدة: 85] الموصلين إلى مرتبة حق اليقينز
{ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بتوحيدنا { وَكَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَآ } الدالة عليه، المبينة لطريقة { أُوْلَـۤئِكَ } البعداء، المحبوسون في مضيق الإمكان { أَصْحَٰبُ ٱلْجَحِيمِ } [المائدة: 86] لا نجاة لهم منها، ولا خلاص من غوائلها.